الحرب قادمة، ولكن أين؟ هذا ما يتفق عليه المحللون في العالم العربي وفي الخارج. هل ستكون الضربة موجهة إلى لبنان كما نشرت صحيفة السياسة الكويتية ( ورقة النعي المألوفة ) نقلا عن نائب بلجيكي يمثل “حلف شمال الأطلسي” في البرلمان الأوروبي؟ أم إلى سورية؟ أم ستكون ضربة لإيران بحجة ملفها النووي؟
بدءا من الأخيرة، يبدو أن التوجه نحو ايران لم ينضج بعد، خاصة لدى الإدارة الأمريكية المشغولة بالانتخابات الرئاسية وبالأزمة الاقتصادية، ولكن ذلك لا يعني أنه لن ينضج أبدا. واذا كانت الأنباء الأوروبية قد تحدثت عن تطمينات نقلتها دولتان أوروبيتان لطهران بشأن عدم المشاركة الأمريكية في الحرب عليها، فان ذلك لا يعني أن إسرائيل لا يمكن أن تخوض التجربة منفردة، مدعومة بجسر جوي وعمل استخباراتي غربي. لكنها في هذه الحالة ستقوم بما أسمته الدوائر الغربية: “الضربة السرية”. أي ما قارنته هذه الدوائر بضربة دير الزور في سورية والتي لم تعترف الدولة العبرية بمسؤوليتها عنها. وفي هذه التفصيلة يكمن الفارق بينها وبين ضربة أوزيراك في الثمانينيات. غير أن التاريخ والتجربة علمّانا في الحالين أن الضربة السرية، أو المحدودة، لم تكن في الواقع إلا تمهيدا للضربة الكبيرة الشاملة في عملية اضعاف تسبق المواجهة. مواجهة تتبدى استعداداتها البعيدة المدى في كل الاتجاهات خاصة بقرار الأمريكيين نشر رادارا جديد في قطر يشكل مع مثيليه في اسرائيل وتركيا، درعا واقيا من الصواريخ الإيرانية التي يمكن أن توجه الى القواعد الامريكية عندما تصل الأمور الى المواجهة الشاملة.
من جانب آخر، وفي اطار القاعدة البديهية التي تقول بتجريد الخصم من عناصر قوته قبل مواجهته، لا بد من الخلاص من حلفاء ايران على الحدود مع الكيان الصهيوني، وهنا نجد سورية ولبنان – المقاومة.
سورية غارقة في دمها، والكتل السرطانية تستشري في جسدها لتقوم بتدمير الدولة: جيشا ومؤسسات واقتصادا ونسيجا اجتماعيا، وهذا ما هو مطلوب اسرائيليا وأمريكيا، وما كان سيكلف الاثنين خسائر هائلة عسكرية وبشرية واقتصادية لتحقيقه، كما حصل في العراق. اذن فلماذا الحرب التي تعيد رص صفوف السوريين ولو بالحد الأدنى، وتعيد الى النظام العدو – الذي بذل كل ما بذل لتصويره عدوا لشعبه – صورة الدولة والحكم المدافع عن بلده، لتضع كل من يقف ضده عسكريا في صف العدو الإسرائيلي، وبالتالي في صف الخيانة لوطن يتعرض لهجوم معاد. ولا يغير في الأمر شيئا كون اطراف المعارضة السورية المسلحة تصيح مستعجلة التدخل العسكري الاجنبي، فليست هذه المعارضة اغلى عند الأمريكي والاسرائيلي من النظام والموالاة، فكلهم بنظر الاستراتيجي الغربي – الصهيوني وقود لعملية تدمير سورية، آخر بلد عربي يعارض الاثنين ويهدد مصالحهما.
اذن فما يريده الغرب في سورية هو اطالة الصراع المسلح لأطول فترة ممكنة – كما حصل في لبنان- عبر العمل على منع أية مصالحة وطنية، واستمرار مد المجموعات المسلحة بالسلاح والمال، وهذا أقل كلفة بكثير من الحرب النظامية، خاصة أن من يدفع هم العرب أنفسهم. والخلاصة أن لا حرب نظامية في المدى القريب، وإن كان حصولها على المدى البعيد، بعد الانهاك، غير مستبعد، كما تذكرنا تجربة لبنان 1982 والعراق 2003.
يبقى لبنان، فهل سيكون البلد الممزق سياسيا، والمزروع بالغام خطيرة مستعدة للتحالف مع العدو وتحميل حزب الله وحلفائه مسؤولية تدمير البلاد – كما حصل في 2006 – هو الهدف الأقرب؟ أو لنقل مسرح الخطوة الأولى؟
منذ حرب تموز وإسرائيل تقول إنها لن تترك هدفا مدنيا من الجنوب الى الشمال الا وستضربه، وهي تعرف أنها بذلك تستفز الناس عموما ضد ” من سبب لها الدمار” ولذلك تعمد الديبلوماسي الأطلسي( ان كان موجودا ولم تكن المصادر إسرائيلية مباشرة) أن يعيد التركيز بالتفصيل على هذه الأهداف في ما نشرته السياسة الكويتية، مضيفا اليها أن الحرب ستبدأ بمحو ثلاث قرى جنوبية عن الخارطة في الجنوب والبقاع، خلال الأيام الثلاثة الأولى للحرب. التي ستمتد لتغطي البلد بكامله حتى الشمال في الأيام التالية.
هي الحرب النفسية تبدا دائما بالاعلام، ولذلك كان حديث السيد حسن نصرالله، لقناة الميادين، هجوما نفسيا مضادا، عنيفا في توجهه الى العدو، تصالحيا في توجهه الى المواطنين والاشقاء. مدركا أن القرار الإسرائيلي لم يتخذ بعد لأن لعبة شد الحبل لم تحسم بين معسكري باراك – نتينياهو و بيريز – موفاز. ولعل نتائج الانتخابات الاميركية سترجح كفة أحد الطرفين.