الخراب!

سوريا، 03-09-2012

بالأمس القريب كانت الجمعيات التطوعية والخيرية، التي لها أية صلة بالعرب في الغرب، تعاني من حظر تلقيها أية مساعدات أو تبرعات مهما كانت ضئيلة، تكشف صحيفة هيرالد تريبيون أن الولايات المتحدة الأمريكية أجازت علنا لجمعية تحمل اسم ( Syrian Support Group (SSG, بتلقي مساعدات وتبرعات مالية دون سقف، لدعم المعارضة المسلحة في سورية. واذ تقول الصحيفة ان هذه الجمعية هي جمعية غامضة لم يعرف مؤسسوها ولا اعضاؤها، فانها تشير إلى ان أهدافها المعلنة هي ” تقديم مساعدات مالية لوجستية اتصالية وخدمات اخرى ممنوعة على الجهات الرسمية السورية “.

وبصرف النظر عن موقف أي كان من دعم الجماعات المسلحة، فان أول ما يتبادر الى الذهن هو هذا النفاق الغربي الحقير، اضافة الى سؤال آخر اهم: هل ان اسقاط النظام هو الهدف أم تدمير واستنزاف سورية؟ خاصة ونحن نعرف ان باريس قد سمحت بدورها ولكن دون الاعلان رسميا، باقامة جمعيات تهدف للغاية نفسها، ومما نعرفه ان شخصا واحدا يدعي انه زعيم عشيرة هرب عبر بيروت الى باريس واسس 12 جمعية، على عنوان 12 شقة استأجرها في العاصمة الفرنسية، وقال صراحة لمن تعامل معهم ان هدف هذه الجمعيات الوهمية هو ثلاثي: تلقي الأموال، استقدام المتطوعين الإسلاميين، وتصديرهم الى سورية عبر لبنان بشكل رئيسي، وتجهيز استوديو لاستقدام مصابين واشخاص آخرين وتلفيق شهادات تصور على انها ميدانية وتجمع في ملف لمحكمة الجنايات الدولية. طبعا قد يقول قائل أليس على الأرض جرائم تصور؟ بلى. ولكن المطلوب ترتيب التصوير وفق معايير معينة مدروسة ومبرمجة. ويلتقي ذلك مع الاشكال الذي أثير في باريس وجنيف، في اكتوبر الماضي، بين صحافي عربي ومسؤول أممي جاء الى سورية في لجنة تحقيق، واسر في لقاء مع جمعية عربية من مواطنيه بانه صرف أعضاء اللجنة ورتب مع زميلة تركية له تلفيق شهادات رتبها وفق هذه المعايير. الصحافي نشر الخبر يومها، والمحقق هدد برفع دعوى بعد ان انكر ما قاله ومن ثم طوي الملف.

غير ان الجانب الأهم في كل هذا، هو من الذي يمول هذه الجمعيات سواء في اوروبا او في الولايات المتحدة؟ وهل التمويل العربي هو وحده الذي يعمل؟ بل والاهم: حتى لو كان التمويل عربيا وذاك ما يعترف به، بل وينادي به مسؤولو دول معروفة، على اعلى المستويات، ومسؤولو أحزاب وتيارات وتجمعات مرتبطة بهم في لبنان وغيره من الدول العربية، – حتى لو كان التمويل عربيا، فمن الذي يضع الاستراتيجيات والخطط؟ ومن هي الأجهزة التي تتحكم بتنفيذ هذه الخطط على الأرض؟

بالأمس كان الإسلام فزّاعة خنق بها كل صوت تحرك لنصرة قضية عربية في الغرب، واليوم تعترف مراكز الدراسات الأمريكية بان بلادها والغرب عموما تغذي المتطرفين الإسلاميين وتساعد على استقدامهم من كل العالم، وقد اعترف الصحافي الهولندي جيروم اورلمانس في مقابلة مع مجلة الاكسبرس الذي اختطف في سورية ثم تم الافراج عنه بتدخل دولي، ان ايا من خاطفيه لم يكن سوريا، واكثرهم لم يكونوا عربا. ثم عاد ليؤكد في مقال ثان ان خاطفيه كانوا من بنغلادش، الشيشان، والباكستان وبعض الافارقة، وان بعضهم كان يتحدث الانجيلزية بلكنة بريطانية. وكان كل منهم كان يقول انه ينتمي الى مجموعة مختلفة على رأسها أمير ما.

غير ان مراكز الدراسات الامريكية تقول ايضا ان التمويل الامريكي موجه الى الجماعات العلمانية وذلك لاقامة توازن مع الجماعات الجهادية الاسلامية، في حين ان العرب هم من يمول المسلحين الاسلاميين.

وهنا يتبدى الامر الخطير: اجل التمويل والتسليح موزع، ولكن ليس بهدف اقامة توازن سياسي على الاطلاق، وانما بهدف خلق جبهة اخرى من الصراع الدموي والتدمير الذاتي، في مرحلة لاحقة، بين من يسمونهم علمانيين ومن يسمونهم اسلاميين. وسوف نكتشف غدا ان ثنائيات اخرى ستبنى قنابل موقوتة: عشائرية، اثنية، وتجمعات متناقضة داخل الطرف الواحد. ولمن لا يرى عليه ان يتذكر حرب لبنان والدعم الذي كان ينصب من الدول نفسها على الأطراف المختلفة. واذا لم يحصل ذلك بشكل مباشر، فان المايسترو الواحد يوزع الادوار والوكلاء المطيعون ينفذون كل على جبهته.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون