بعد النقاشات التي دارت على الساحة الفرنسية حول التدخل في سوريا والتي نقلنا ثلاث مقالات تمثل وجهات نظر ذات دلالة فيما يخصها الاسبوع الفائت، جاء خطاب الرئيس الفرنسي، وحديث الرئيس السوري، وغياب الولايات المتحدة عن اجتماع مجلس الامن، لتقود كلها الى الاستنتاجات التي كانت قد تبلورت.
ففرانسوا هولاند ( المنتخب لتوه ) ملزم برد دين للوبيهات اليهودية التي يمثلها برنار هنري ليفي في فرنسا، وبما ان بلاده تراس مجلس الامن فهو مطالب بعمل شيء ضد سورية من خلال هذه الرئاسة. ولكن، اذا كانت احلام ليفي وغيره تمضي حد التدخل العسكري، فان الجميع – حتى هم – باتوا يعرفون ان فرنسا وبالتالي اوروبا غير قادرة على فعل ذلك بدون قرار اممي وبدون مشاركة الولايات المتحدة، وهما شرطان غير متوفران حاليا. اذن فالمطلب يصبح اقامة مناطق عازلة تقتضي بالتالي فرض حظر جوي لحمايتها. لكن تركيا تصيح بانها لا تريد هذه المناطق على ارضها، وهنا كان الاردن اكثر حذرا وحكمة من البداية، وبدا لبنان غير قادر بدوره على تحقيق هذا المطلب. اذن فالحل بالنسبة للجميع، ان تعقد فرنسا جلسة مجلس امن تطالب فيها بهذه المناطق على الاراضي السورية نفسها. وتقوم بدعوة داود اوغلو لحضور الجلسة علما بان بلاده ليست عضوا في مجلس الامن للدورة الحالية. مع علم الجميع بان كل شيء يظل محدود الاهمية طالما لم تحضره الولايات المتحدة نفسها. خاصة وان واشنطن عبرت عن عدم دعمها لاعلان الرئيس الفرنسي عن استعداده للاعتراف بحكومة سورية في المنفى.
اذن قدم هولاند خدمة طلبت منه، وسارع بعده وزير خارجيته اليهودي الوفي لاسرائيل بالدعوة الى مناطق امنة والاعلان عن صرف ملايين جديدة للمعارضة. في الوقت الذي كان يعقد فيه مؤتمر عدم الانحياز في طهران، ويدور على هامشه الحديث عن لجان رباعية هنا وخماسية هنا للبحث عن حل سلمي للازمة. فيما يظهر الرئيس السوري واضحا وصريحا بقوله ان الازمة لم تنته، وان الحسم قد لا يكون قريبا، لكن الدولة تتقدم باتجاهه.
كله يعكس عمق الازمة التي يقع فيها الذين وعدوا بانهيار النظام السوري خلال اسابيع. ولكنه لا يعني ان اعداء سوريا قد سلموا امرهم للمطالبة باصلاحات ديمقراطية، تتم على اساسها مصالحة وطنية وحكومة تنقذ البلاد، سواء بقي الرئيس الاسد او تغير. لان ما يطلبه الغرب هو تدمير البلاد واستنزاف جميع قدراتها، وعدم السماح باستقرارها
لذا فان خلاصة التطورات تدلل على ان الجهود ستنصب بالدرجة الاولى على تسليح الجماعات المسلحة في الداخل السوري لاطالة امد النزاع لاطول مدة ممكنة، كما قال، بصراحة، المحللون ورجال القرار الذين ترجمناهم، وبفظاظة اكبر قالوا حرفيا انه اذا كان الهدف اضعاف سوريا فان اطالة امد الحرب الاهلية هو افضل الحلول، وليقتل السوريون بعضهم بعضا. كما طالب من رفض الحرب المباشرة الاجهزة السرية الفرنسية بالقيام بعمليات وصفها بالجريئة. وهذا ما ينطبق على الكثير من الاجهزة السرية الاخرى. ويتوازى ذلك مع السعي الى اقامة مناطق عازلة، سواء في الداخل السوري او على الحدود، مما سيكون خطيرا على الدول المحيطة بسوريا، قبل ان يكون على سوريا. وهنا ستقوم فرنسا والقوى الغربية والاجهزة السرية بما فيها الموساد بالدور الذي وصفه مهندس اللوبي الصهيوني برنار هنري ليفي ب : “الموصل، المهندس، والممهد”، كما ستقوم ” بتوصيل الطاقات وتجميع الارادات المتناقضة وتشجيع المترددين واحباط المنهزمين”.
وتجدر الملاحظة الى استعمال ليفي لعبارة : مثلث الكراهية ( ايران – سوريا- حزب الله ). والحقيقة ان هذا التعبير ” الكراهية” لم نعتده في الخطاب السياسي الا في خطاب اليهود، باحالاته السيكولوجية الى كراهية الاخرين لليهود ولاسرائيل. ومن اللافت انه يضيف اليه العراق. ليترك لنا السؤال : كراهية من؟ وبالتالي هل ان سوريا تعاقب على كراهيتها لاسرائيل؟
ملاحظة تضاف اليها اخرى وهي ان من يرفض التدخل العسكري، من مقاربة فلسفية حقوقية، او سياسية، او عسكرية لوجستية، لم يستند الى مسالة مبادىء احترام السيادة، وعدم التدخل في شؤون بلاد عضو في الامم المتحدة، لا ولا الى ما يمكن ان يحدثه هذا التدخل من دمار وخراب وكوارث تصيب البلاد والعباد، وانما استند الى مناقشة التمكنمن ذلك او عدمه.
انها القوة، هي القول الفصل في تقرير مصير الامم.