فرنسا والتدخل العسكري في سورية (1)

السياسة العربية الأوروبية، 28-08-2012

نقاش حاد وعلني يدور في الأوساط السياسية الفرنسية حول موضوع التدخل العسكري في سورية ( طبعا اضافة الى النقاش السري الذي لا يصلنا) ولعل الغرابة في الأفكار المطروحة سواء من قبل من يدعون الى التدخل او من يرفضونه، تكمن في ان هذه المواقف وتلك لا تبنى بأي حال على اهتمام بالشعب السوري ( موالاة أو معارضة)، لا ولا على أي مبدأ من مبادىء القانون الدولي، واحترام سيادة الدول، أو على الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن ان يحدثه التدخل أو عدم التدخل من دمار بشري وعمراني وحضاري، وانما على حسابات براغماتية باردة، منها السياسي ومنها الاقتصادي ومنها العسكري. لتجعلك تخرج في النهاية بالعودة الى مقولة انطون سعادة : ان القوة هي وحدها القول الفصل في تقرير مصير الأمم.

وكي لا نكون فقط في مجال مقال الرأي، واشراكا للقارىء في مسار التحليل، سأسمح لنفسي بان اورد في ثلاث مقالات متتالية، ثلاثة مواقف دالة على المواقف المختلفة : المقال الأول مقال لبرنار هنري ليفي، الناشط الصهيوني الذي يطير من مؤسسته في إسرائيل الى مكتبه في باريس، ناشطا سياسيا اكثر منه فيلسوفا، وربما الأهم والأحدث انه بطل التدخل العسكري في ليبيا، الثاني لاثنين من الباحثين: الفيلسوف والحقوقي جان بابتيست فيلمر واحد تلاميذه، ردا عليه في صحيفة لوموند، والثالث لرئيس اركان القوات الجوية الفرنسية السابق، في رد على الاثنين.

نبدأ بليفي الذي كتب تحت عنوان : ” طائرات لحلب”، مقالا أشبه بدراسة بداها بدعوة الى تجاوز العطلة الصيفية لان الوقت لا يحتمل. ثم طرح عددا من الأسئلة، اجاب على كل منها بضرورة التدخل العسكري.

1- هل يجب التدخل؟ انها ” مسؤولية الحماية” الصيغة الجديدة للحرب العادلة، ومن دون شروط، يجب ان يقبلها الذين قبلوا التدخل في ليبيا، خاصة وان السوريين انفسهم هم من يدعون لذلك. فحلب اليوم هي بنغازي امس – (يقول ليفي الذي كتب قبل اشهر “ان حمص اليوم هي بنغازي اليوم” ) ومن هنا يهاجم الحكومة الفرنسية قائلا ان المسألة هي مسألة انسجام مع الذات. مسألة سياسة واخلاق.

2- كيف نتدخل؟ في غياب قرار أممي من الأفضل العمل مع المنظمات الإقليمية ( الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية ) لتشكيل اطار بديل يسمح بالتحرك العسكري. مستشهدا بسوزان رايس التي قالت في 30 ايار : ” قد يواجه المجتمع الدولي خطر عدم وجود خيار الا التحرك خارج خطة عنان وسلطة مجلس الأمن”. ويرفع ليفي منسوب غضبه ضد عدم تحقيق ذلك بالقول ان الفيتو الروسي الصيني هو حجة لدى بعضهم اكثر مما هو عائق حقيقي.

3- أي نوع من التدخل؟ وأي هدف؟ يرد ليفي على هذين السؤالين بمهاجمة الذين يقولون بان فرنسا سترسل ابناءها الى الموت كما في افغانستان، ويقول إن الأمر مختلف هنا لان المسألة ستبدأ بحظر جوي يفرض انطلاقا من قاعدتي انجرليك وازمير الاطلسيتين، ومن ثم ” منطقة حظر حركة برية ” تمنع سلاح البر من الحركة، وتلك هي الفكرة القطرية – كما يقول، التي تلتقي مع الفكرة التركية بمنطقة عازلة يسيطر عليها الجيش السوري الحر. وبذا يعتبر ليفي ان الاسد سيسقط لانه ” نمر من ورق”

4- من سيؤيد هذا التدخل؟ ومن سيشارك فيه؟ يعتبر ليفي ان الوضع الليبي يختلف عن السوري، فالقذافي لم يكن مكروها في افريقيا، وحتى لدى العرب، على عكس بشار الاسد – دائما حسب ليفي الذي يبرر ذلك تفصيليا بان حكم الأسد تكرهه تركيا وتخشاه إسرائيل. وكلاهما اطلسية او شبه.

5- ما هو دور فرنسا في كل ذلك؟ وأوروبا؟ انه دور المبادر والممهّد والمهندس، يقول ليفي ويستغرب كيف لا تستفيد باريس من الفرصة بالسرعة اللازمة، خاصة وانها ترأس لشهرين مجلس الأمن. وهنا يستشهد بلوران فابيوس ( وزير الخارجية اليهودي الصهيوني المعروف بانه من رجال اللوبي المؤيد لإسرائيل) الذي يقول ان على فرنسا ان تلعب دور الموصل الكهربائي بين الطاقات وان تجمع الارادات المختلفة وتشجع المترددين وتحبط الانهزاميين، وتوجه خطابها الى الضمير العالمي للتحرك بسرعة قصوى ووفق خطة طوارىء… هكذا يجب ان تكون صورة الدبلوماسية الفرنسية في الأيام القادمة – يقول ليفي.

6- خطر اشتعال المنطقة؟ اذا كان التحالف بين ايران نجاد وسورية الأسد يشكل خطرا اضافيا فان علينا كسر هذا المحور بسرعة قصوى وذلك لسببين : الأول تخيل صعوبة تحقيق اي شيء من هذا بعد خمس سنوات. والثاني ان هذا الهلال الشيعي ينتهي بحزب الله الخطير، وربما مر بالعراق، بنسبة معينة. لذا فان التدخل في حلب هو عملية كسر وصد لهذا الخطر ( لا يقول خطر على من؟) ولكنه يقول : يجب ضرب مثلث الكراهية في قلبه وبأقوى ما يمكن قبل فوات الاوان.

هذا هو ملخص مقال ليفي، وسنأتي غدا على المقال الذي رد عليه.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون