ميلاد كفوري، زهير نحاس، أمجد سرور، ثلاثة أسماء لرجل واحد هو الذي استعمله فرع المعلومات للإيقاع بالوزير اللبناني السابق ميشال سماحة. والطريف أن هذا الرجل كان صديقا بالاسم الأول لميشال سماحة، وعاملا بالاسم الثاني لدى الوزير محمد الصفدي، يسافر معه على طائرته الخاصة، ويقوم عند الضرورة بمهمات بين الصفدي وأطراف سياسية أو إعلامية، لصالح الأخير. هذا ما كشف عنه، في مقال طويل الصحافي شارل ايوب رئيس تحرير الديار الذي روى تجربته الخاصة مع الرجل الثلاثي والوزير الصفدي. كما روى ما يعرفه عن حيثيات إيقاع كفوري بسماحة.
ما يبدو الأكثر أهمية في هذا الموضوع، أن خيوط قضية سماحة بدأت تتكشف قبل أن ينتقل ملفها الى القضاء العسكري. وملخصها أن مخططا طويلا قد رسم للإيقاع بالرجل الذي يعتبر مستشارا للرئيس السوري بشار الأسد، والغاية، ليست أبدا، السلم الأهلي، لا ولا وضع اليد على مخطط إرهابي سوقت وسائل الإعلام ان سماحة كان يعده.
الغاية، كانت وبالتحديد، سحب اكبر قدر ممكن من المعلومات – تحت التحقيق- عن الرئيس السوري: كيف يعمل؟ من هم المقربون منه؟ ممن تتكون دائرته الخاصة؟ كيف تتخذ القرارات؟ كيف يتحرك؟ ما هي آراؤه غير المعلنة وحالته السيكولوجية؟ من جهة ثانية، هدف التحقيق ايضا الى الحصول على معلومات واسعة عن اللواء علي مملوك الذي يعرف سماحة بانه على علاقة معه، وعن الجهاز الاستخباراتي الذي يديره ويفترض ان سماحة يعرف عنه الكثير. هذا إضافة إلى أسرار العلاقة الخارجية لكليهما مع الخارج، خاصة فرنسا التي كان سماحة وسيطا معها.
أما التسريبات الممنهجة التي بدأت تدريجية منذ اللحظات الأولى ثم وصلت إلى إعطاء كامل محاضر التحقيق للصحافة ولمواقع التواصل الاجتماعي من قبل فرع المعلومات وقيادة الأمن، فانها لم تكن إلا من قبل ما يسميه العسكريون ” قصف التغطية” اي ذلك القصف المدفعي الكثيف الذي يشكل غطاء لعملية اخرى.
واذا ما ربطنا بين دخول اسم الوزير الصفدي على الخط،عبر ارتباط ميلاد الكفوري به، وبين ما حصل مع اعتقال الأمن العام قبل حوالي شهر للقيادي المليشياوي الشمالي الخطير شادي المولوي، الذي كان ملفه يتألف من ألفي صفحة معظها يتعلق بتهريب السلاح والإرهاب والفتنة الطائفية، لصالح تيار المستقبل والمعارضة السورية، مما لم يكن الرجل نفسه ليخفيه، بل انه يكلله برفع علم الانتداب الفرنسي رفضا للعلم السوري الحالي. غير ان قيامة المستقبل قد قامت ضد الدولة وادت الى الافراج عن المولولي دون تحقيق. وكان الوزير الصفدي هو من نقله بسيارته الخاصة، وعلنا، من السجن الى منزله في طرابلس، دون السماح بالتحقيق معه، ليأتي التصريح الخطير معها بان الدولة لا تستطيع تحدي الطائفة السنية باعتقال المولوي والتحقيق في التهم المنسوبة اليه.
واذا ما ربطنا الأمر كذلك بما كشفت عنه الصحافة الأجنبية من ان جهاز استخبارات اجنبي هو من طلب من الرئيس اللبناني الاتصال بالرئيس السوري اثر تفجير القادة العسكريين في دمشق، وتسجيل المكالمة لتتم دراسة وتحليل صوت الأسد ونبرته وتعبيره عبر المكالمة.
ان ملاحظتين منطقيتين تبرزان: الاولى، هل ان قضية سماحة هي مجرد حلقة ضمن سياقين اساسيين: التجسس الدقيق على النظام السوري، وجمع أدق قدر من المعلومات عن دوائر الدولة الرئيسية. وهو دور لا بد وان يلعب فيه فريق لبناني معين دورا مهما. انها عملية مخابراتية بامتياز، لم تتم إلا بطلب من مخابرات خارجية، هي التي تحمي هذا الفريق وتموله، وتضع ثقلها الان في طرف معين من الازمة السورية
الملاحظة الثانية يعبر عنها بسؤال: هل تم اختيار سماحة، ليس لمواقفه ولما يعرفه فحسب، بل لانه رجل كاثوليكي، بمعنى انه لا ينتمي لاية اغلبية طائفية في لبنان، وهذا ما عبر عنه اللواء جميل السيد بصراحة منذ اليوم الاول بقوله: لو كان سماحة سنيا او شيعيا او مارونيا لما تم التجرؤ عليه بهذا الشكل، ولما رأينا الصمت الذي يقترب من اللامبالاة ازاء قضيته، من الحلفاء قبل الخصوم، وهذا الموقف الذي اتخذه ما يسمى بالرؤساء الثلاثة في لبنان.
والأسوأ أن سماحة كان عابرا للطوائف، مما نعرفه في جميع مواقفه، وما لاحظناه في تركيبة العاملين معه الذين اعتقلوا معه: سكرتيرته وسائقه ومساعده، وهم يتوزعون على طوائف ثلاث. فممنوع عليك ان تكون عابرا للطوائف في تركيبة تقوم على الطائفية، لانك تصبح، كما قال جميل السيد ” مقطوع من شجرة”.