تلقف التغيير

الربيع العربي، 30-07-2012

إنه الحمل الكاذب الذي يلغي إمكانية حمل حقيقي، وولادة حقيقية. إنه التغيير الذي يضع تنظيف وطلاء الشوارع في مقابل تأميم قناة السويس. لان حرية الإرادة هنا تقابل تكبيل الإرادة هناك.

تلقفوها تلقف الكرة! ومن يعتقد أن الثورات العربية تركت لآلياتها الداخلية الشعبية هو واهم. لقد ناضل المعارضون العرب منذ عقود لأجل التغيير عبر التخلص من الأنظمة التي تركها الاستعمار الغربي وراءه. لكن كيف ناضلوا؟ ولأجل ماذا؟

ناضلوا معا، رغم كل خلافاتهم واختلافاتهم الداخلية، كان القوميون والإسلاميون والعلمانيون والليبراليون الوطنيون، يقفون معا على الصعيد الداخلي، ضد قوانين الطوارىء، ضد القمع، ضد الفساد، لكنهم كانوا يقفون معا وبشكل أوثق على الصعيد الخارجي، ضد التعلق في تنورة الغرب خاصة الأمريكي منه، ضد التنازل عن ثروات العرب للأجنبي ومع استعمالها للتنمية والنهضة، ضد التجزئة القومية، ضد امتهان الكرامة الوطنية، ضد الاستسلام للمشروع الصهيوني، ضد التطبيع.

وعبر عقود عرفنا أنظمة ناضلت وبصلابة لأجل هذه الأهداف الخارجية التاريخية على المستوى الخارجي، وعملت بجد تاريخي أيضا لأجل مشروع نهضوي ولأجل تحرير ثروات الوطن وجعلها في يد الدولة الوطنية وتوظيفها لتحقيق التنمية. ولكننا كنا نعيب عليها أنها في هذا السعي الوطني والقومي تجاوزت الحريات والحقوق المقدسة للمواطن، ومارست سياسة الأحادية والإقصاء، فتركزت مطالبنا لديها على إلغاء كل القوانين المقيدة لحرية الرأي والصراع الفكري( في الإعلام، في الثقافة، في التربية والتعليم خاصة في الجامعات، وفي العمل السياسي )، والسماح بالتعددية الحزبية، ومحاربة الفساد، واجراء انتخابات يحكم فيها من يختاره الشعب، وتكريس مبدأ تداول السلطة.

كنا نناضل لأجل هذا المفقود ولكن ليس أبدا على حساب المكسب الأول. لان أية حريات، وأية تعددية وأية انتخابات وأي تداول، تظل بالونا فارغا، واقعا افتراضيا لا وجود له في حقيقة الواقع، إذا ما غابت السيادة الوطنية، وغاب القرار الوطني الحر، ولم تحرر ثروات الوطن، وإذا ما تكرست التبعية اكثر للامبراطورية الحاضنة لإسرائيل، وإذا ما أجهضت المكتسبات الوطنية التنموية والنهضوية التي كانت قد تحققت.

وإذا ما كنا، نحن المواطنين، معنيين وجوديا بالهميّن الداخلي والخارجي، وعدم تحقيق احدهما على حساب الآخر، فإن القوى الأجنبية الإمبريالية غير معنية إلا بالخارجي وتحويله لخدمة مصلحتها – وهذا طبيعي- فعبارة ” الحاق الشرق الأوسط بالمعسكر الأمريكي” ترد في كل الوثائق السياسية وحتى الإعلامية الأمريكية منذ الخمسينيات. أما الداخلي، فمن الأفضل، لتأمين هذا الإلحاق، أن يتسم بثلاث: الجهل، البلبلة، وتكرس الأحقاد الغرائزية على أنواعها. وتحت كل من هذه العناوين تندرج قائمة طويلة من العناوين الفرعية المرعبة للحاضر والمستقبل. عناوين تعمل جيوش من الجهلة ومن الحاقدين ومن المأجورين لنشرها كالطوفان، سواء منهم من يعلمون أو من لا يعلمون، والمصيبة أعظم. خاصة عندما يكون بعضهم، من حسنيي النية يظن انه، وهو يزرع الغام التخريب يخدم هدفا وطنيا أو إنسانيا.

لن يترك الأجنبي الذي تلقف الحراك العربي، تلقف الكرة، لمن وصل إلى الحكم أن يفعل ما يشاء حتى على صعيد التنمية الداخلية، وبشكل أوثق على صعيد السياسات الخارجية، فهو قد وصل بأموال لا تخرج إلا بأمر واشنطن، حتى وان خرجت من جيب عربي، وهو قد وصل مثقلا بالأحقاد والرؤى التي لا تخرج عن إطار الإقصاء، حتى وان غطته بغطاء تعددي شكلي لا يخفي حقيقة. وبالتالي فإن المشروعية الشعبية التي تجعل من الحاكم حاكما بالفعل، هي مشروعية مزورة، وان بأرقام مقنعة وأكثر ذكاء ( فلا تشبه الـ99%)، لأنها تظل مرتبطة بإرادة خارجية، وتحديدا أمريكية، ستقرر يوما أن ترتد عليها إما بشكل جماعي، كما مع حسني مبارك، وإما بشكل فردي كما مع السادات وعرفات، وأخيرا عمر سليمان.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون