الشعلة الزرقاء

اقتصاد سياسي، 22-07-2012

منذ ثلاثة أيام وصورة “رأس” مشتعلة من موقد غاز تحتل الصفحة الأولى على موقع صحيفة لوموند الفرنسية. في مفارقة طريفة بين زرقة لهبه وزرقة عيون الفرنسيين والأوروبيين عموما. المشكلة مشكلة أسعار، فهل ستبقى الفاتورة على حالها، كما كانت قد قررت الحكومة السابقة أم أنه لا بد من زيادة الاسعار بنسب تصاعدية على المستهلك؟

لن ندخل في التفاصيل فذاك أمر يهم أصحابه، دولة ومستهلكين، ولكن ما يهمنا هو أن هذا الهاجس الذي بدأ يتحكم بالسياسة الدولية منذ عقد من الزمن، قد انتقل اليوم من دائرة الدوائر الاقتصادية والمحللين والباحثين الى كل شقة فرنسية تبلغ مساحتها 19 مترا مربعا ( والطريف هنا ان الاحياء المتوسطة والفقيرة هي التي تعتمد على الغاز بينما هو ممنوع في الأحياء الغنية. )

لقد خاض ساركوزي العدوان على ليبيا مشدودا برائحة الغاز، وبرائحة اخفاء الرشى المليارية التي كان قد تلقاها من القذافي. وها هي فرنسا تحاول ان تقود معسكر التشدد ازاء سورية لان الرائحة نفسها تنبعث من المتوسط، ولان سورية ستقرر مصير خط الامداد السيل الجنوبي او نابوكو. وتقرر بالتالي خضوع اوروبا كلها لحنفية صغيرة تقفلها او تفتحها موسكو. وهذا ما تبلور واضحا في زيارة بوتين الاخيرة الى القارة العجوز.

واذا ما كان ثمة مخرج للتعويض يتمثل في غاز الدول العربية وعلى راسها قطر والجزائر، مما يذكرنا بان نيقولا ساركوزي بنى سياسته التي رسمها الامريكيون منذ حملته الانتخابية الاولى وحتى نهاية فترة رئاسته على أمرين يخصان المنطقة: الاتحاد لاجل المتوسط، ومحاولة الحصول على الغاز العربي ليتحرر من موسكو، بل وبتعبير ادق ليمنع موسكو من العودة الى منصة القوى الدولية العظمى.

لكن الاتحاد لاجل المتوسط اصطدم بالجزائر وليبيا وسورية ( رغم الرئاسة الثنائية لساركوزي وحسني مبارك، وهذا ما ينساه الفرنسيون في حديثهم عن الربيع العربي )، والهيمنة على الغاز اصطدمت ايضا بالجزائر وسورية ولبنان، رغم التحالف الذي ظهر منذ اول مناسبة رسمية للرئيس الجديد، عندما اختار ساركوزي امير قطر وزوجته كضيفي شرف على منصة الاحتفال بذكرى الثورة الفرنسية 14 تموز على ساحة الشانزليزيه. في مقابل الافتراق الذي ظهر بالمقابل بينه وبين الجزائر عندما عرض في مؤتمر صحافي مبادلة الغاز الجزائري بالتكنولوجيا النووية. ولاجل ذلك: الغاز والاتحاد، جعل زيارته الرسمية الاولى للجزائر.

محاولة التعويض عن طريق احتلال الاطلسي لليبيا لم تكف. والصراع الذي كان قائما مع ساركوزي لن يتغير مع هولاند، فلا علاقة لهذه المسألة بيمين او يسار. والصراع على مصادر الغاز لا يقل حدة عن الصراع على خطوط الامداد، بل ان هذه الاخيرة هي الاهم، مما يفسر العدد الاكبر من الصراعات في المناطق الممتدة على سير هذه الخطوط. لذلك كان التركيز على حمص لانها عقدة مهمة مفترضة في هذه الخطوط، ولذلك بدأت الاشكالات في صيدا لانها كانت تاريخيا نهاية خط للنفط والغاز، يمكنه المساهمة في التعويض عن مضيق هرمز، تعويض لن يكون ممكنا الا اذا سيطر اتباع خط سياسي معين على المنطقة. ولذلك تحتل شعلة الغاز الزرقاء صفحة الجريدة الفرنسية الاولى، لتقول لكل مواطن، يحتاج الى الطعام او الدفء بانك معني بالا تنطفىء.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون