اهي الحرب مرة اخرى؟ اهي ذاكرة ما قبل احتلال العراق لا يريد البعض ان يراها، رغم ان مجرياتها قد تكون اشرس واصعب.
تلك كانت حرب اقامة الامبراطورية ونظامها الدولي الجديد، وهذه حرب بقاء الامبراطورية رغم ان نظامها هذا قد سقط فعليا، لكنها لا يمكن باي حال ان تسلم بسهولة، فهو عرش العالم لا اي عرش اخر. تلك كانت حرب قلق البداية وهذه حرب خوف النهاية، بحسب تعبير نعوم شومسكي. وفي الحالين هي حرب وجود اسرائيل والقضاء على اي مشروع عربي مقاوم وعلى اي نظام يقوم على التعددية الاتنية والدينية والمذهبية، من دون ان يدخل ذلك في باب المحاصصة، وهيمنة فريق ديني على الاخرين، مما يبرر التركيبة الاسرائيلية.
قبل الحرب على العراق، تم انهاك البلاد بالحصار، وفي سورية يتم انهاك البلاد بالتدمير الداخلي، في استغلال لم يسبق له مثيل لمطالب شعبية حقيقية. ليس هذا المؤشر الوحيد وانما هناك عدد من المؤشرات:
الاول هو استعار الحرب السيكولوجية التي تسبق الحروب وتواكبها، وتعتمد على الاعلام والاشاعات، منذ الحرب العالمية الاولى وحتى الثانية. والامريكيون هم من ابتكرها وبلور نظرياتها، على يد مجموعة من الخبراء الذين كانوا ينتظمون فيما يسمى “وكالات اعلام الحرب” التي تحولت احداها الى ما نعرفه بـ السي اي ايه. وغالبية هؤلاء الخبراء من اليهود المؤيدين لاسرائيل. واذا كانت هذه الحرب قد بدأت منذ بداية الاحداث بحملة منظمة مبرمجة، ل اتوفر التلفيق والكذب، تقودها قناتا الجزيرة والعربية، وتشترى لاجلها ذمم الصحافيين والكتاب ( من يبيع ويشتري )، فان الدوائر الغربية قد كشفت قبل حولي شهرين عن ان ارتباط قرار الجامعة العربية باخراج المحطات السورية من عربسات، مرتبط بخطة تم تجهيزها لاحلال قنوات بديلة مكانها تقدم نفسها كانها هي وتقوم بنشر الاكاذيب بهدف البلبلة وضرب المعنويات. كما اشارت تلك الدوائر عن استوديوهات تم تجهيزها لفبركة تقليد شخصيات سورية بدءا من الرئيس، واعداد بيانات وتصريحات كاذبة بصوته وصوت تلك الشخصيات، واخبار وصور تستعمل عند الحاجة. كما تم تجهيز مدينة ( هوليوودية ) في قطر تضم ساحات تشبه ساحات المدن السورية وبعض احيائها والقصر الرئاسي والمواقع الرسمية. يوم كتبت ذلك في هذه الزاوية – ورغم انني ذكرت مصادري الغربية، ردت عليّ الابواق المأجورة او الحاقدة بانني اكذب او اهلوس. والان: ها هو تصريح بصوت بشار الاسد يوزع على المواقع ثم يتبين انه كاذب، خبر عن فاروق الشرع يسوق ثم يتبين انه كاذب، خبر فرار اسماء الاسد الى موسكو يكذب، المسؤولون الروس لا يكادون يكذبون خبرا عنهم وتحويرا لتصريحاتهم حتى ياتي اخر، بث قناة الدنيا يوقف على تردده المألوف، فضائية تجريبية تبث اناشيد وطنية وتحمل اسم وشعار الفضائية السورية تاهبا لان تحل محلها عندما يحين وقت بثها على القمر المالوف، شلال من الاخبار والصور الذي يحتاج الى جيش ليكذبه. وحتى لو حصل فان احد قوانين الحرب السيكولوجية هو ان التكذيب لا يضر كثيرا بالهدف المقصود لان التأثير الرئيسي يحدث عند صدمة التلقي الاولى. هذه الحرب الاعلامية التي بات لها ان تستفيد من وسائل الميديا الجديدة، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، هي الحرب في شق كبير منها، وما زال مخفيا منها اعظم لانه يخزّن لحاجة مواكبة هجوم عسكري، ان حصل.
المؤشر الثاني هو الحديث الذي بات يتأجج خلال الاسابيع الاخيرة عن السلاح الكيماوي السوري، وكأننا نسينا قصة اسلحة الدمار الشامل العراقية، التي شكلت الذريعة الاساسية للقضاء على العراق، وعندما انكشف كذبها بعد الحرب، لم يكلف مسؤول غربي نفسه عناء الاعتذار عن مقتل مليون عراقي.
المؤشر الثالث، يتمثل في حملة الاعلام الغربي، ومنظمات المجتمع المدني الغربية عن حقوق الانسان في السعودية والامارات العربية المتحدة، حيث خصص مجلس العموم البريطاني جلسة خاصة لهذه الاخيرة. وواقع الامر ان الانسان في هذه الدول وفي غيرها، هو اخر من يهم بريطانيا وامريكا. غير ان الغرب المفلس بحاجة الى من يمول حربه على سورية خاصة انه يعلم انها لن تكون نزهة. وافضل حل له ان يخوضها بجيوش عربية ( واجهة على الاقل ) وتمويل عربي. ولذلك لم يركز الاعلام الغربي جهده على جمهوره، كما حصل وقت العراق، بقدر ما ركز جهده على الجمهور العربي.
ثمة مؤشرات كثيرة اخرى، لكنها كلها تصطدم بان السياقات الدولية هذه المرة مختلفة، والمواجهة بين المعسكرين الدوليين واضحة ومتكافئة هذه المرة. لكن هذا التوازن قد يؤدي الى واحدة من نتيجتين متناقضتين: اما الردع، واما الاستشراس الامريكي – الصهيوني اكثر لانها مسألة حياة الامبراطورية او موتها، ولا مهرب من حسمها.