تومبكتو – باميان. لا بد وان هذه المقارنة قد قفزت الى راس كل من شاهد المجموعة الاسلامية تدمر اثار تومبكبتو في مالي امس، وتحديدا في شمالي مالي، اي في جنوب الجزائر. الفتوى ان هذه الاثار قبور يجب تسويتها بالارض. ولكن الاهرامات قبور، اثار البتراء قبور، جبيل، بلعبك، صيدا، صور البانتيون والانفاليد في فرنسا قبور، تاج محل في الهند… واخيرا وذاك هو الاهم (ربما) المراقد في كربلاء والنجف وكاظمية بغداد، وماذا عن قبر صلاح الدين في دمشق؟
لن نعدم العشرات، بل والالاف ممن يقولون: ولم لا فلتدمر كلها. وقد سمعنا المسؤول عن هه الجماعة يقول للتلفزيون امس: انها مجرد احجار، فلماذا تهتمون بالاحجار ولا تهتمون بالناس؟
ربما يكون الرجل قد اصاب من حيث لا يدري، فلو كانت هناك تنمية حقيقية اهتمت بالناس لما كان من الممكن ان نجد ناسا على هذا القدر من السذاجة والجهل في القرن الواحد والعشرين. ولو لم تكن الدول الافريقية والعربية وبعض الاسيوية قد عانت عبر القرن الماضي وما قبله من تحالف الحكم المحلي غير العابىء بتنوير وتحضير شعبه والحكم الاجنبي الامبريالي العامل اساسا على تجهيل الناس، لما كان الناس بهذه السذاجة وهذا الجهل، وهذا الكبت والحقد الدفين، انى وجد له متنفسا مارسه في جو تختلط فيه المفاهيم وتعوم القيم بحيث يسهل على من يريد، استغلاله و توجيه مفاعيله.
كانت باميان اثرا بديعا فريدا، فادرجتها اليونسكو على قائمة التراث الانساني، ولكن جهات اخرى غير اليونسكو كانت تعمل على تحويل الشعب الافغاني في بلد حمل يوما لقب سقف العالم، الى مجرد مقاتلين ضد الاتحاد السوفييتي في سبيل الامبراطورية الاميركية، وذاك ما اقتضى شحنهم ضده باعتباره كافرا، مما احتاج الى صيغة ظلامية عنفية للاسلام، من شانها ان تقضي على السوفييت وعلى الافغان معا. وهكذا حصل، فما ان سقطت الكتلة الشيوعية حتى اصبح المطلوب حلول الاميركيين محل السوفييت باي ثمن، فاصبح المجاهدون ارهابيين لا بد من استئصالهم او على الاقل من اتخاذهم ذريعة لاحتلال البلاد. مشروع يحتاج الى عملية شيطنة تقنع العالم بان هؤلاء دون مستوى البشر المتحضرين، في عودة الى الشعار الابدي للاستعمار: جئنا لنحضر ( يضاف اليه نقضي على الارهاب ونقيم الديمقراطية).
واذا كان سيناريو العراق يبدو مختلفا، ففي الشكل فقط. اذ لكم يكن ممكنا القول بان الاحتلال قادم لتحضير العراقيين، فاجبر جيمس بيكر على ان يقول لطارق عزيز: سنعيدكم الى العصر ما قبل الصناعي، واستعيض عن تهمة الارهاب الفردي او التنظيمي بتهمة ارهاب الدولة واسلحة الدمار الشامل، وظلت الديمقراطية سيدة الذرائع.
واذا كنا لا نفضل نظريةالمؤامرة فاننا لا يمكن ان نستبعدها، فذاك غباء. وعليه يمكن ان نتساءل: هل اتخذ قرار تحطيم تماثيل باميان نتيجة جهل وحقد طالباني فحسب، ام ان هناك من عزز هذه الفكرة من المدسوسين وكانوا كثرا – شاهدنا منهم الكثير يدلي باعترافاته في اشرطة وثائقية بمن فيهم ابن الشيخ الذي سهل قتل ابيه، وانتهى لاجئا في كندا “؟
واليوم يطرح السؤال ذاته بالنسبة لتومبوكتو: من الذي اوحى لهؤلاء بان اول تطبيق للشريعة ( كما يريدون تاويل الشريعة )، هو تدمير مدينة مدرجة على قائمة التراث الانساني؟ مما يعني، اضافة الى اهميتها الاثرية والمعنوية، ان كل وسائل الاعلام في العالم ستتحرك لاجلها تلقائيا. وربما اقنعهم ذلك في ان هذا التعرض سيضعهم في دائرة الضوء، لكنهم لم يفهموا انه سيضعهم على قائمة الاحتلال ايضا. فمنذ ظهر الخبر بدات الدعوة الى القاعدة الفرنسية القريبة الى ارسال انزال جوي لحماية المنطقة، في انتظار وصور قوات دولية لاحتلالها. الم يكن اصحاب القرار يعرفون ذلك؟ ومن الذي جاء اليهم بكاميرات التلفزيون العالية المهنية للتصوير؟ وسهل لهم الوصول الى كل شاشات العالم في دقائق؟ وبشكل اساسي: من الذي يمولهم؟ ولماذا كانت المغرب اول من طالب بالتدخل الاجنبي ضدهم؟ ما علاقة ذلك بالجزائر صاحبة اطول حدود مع مالي والدولة الوحيدة التي لم يحكمها الاسلاميون بعد في المغرب العربي. الجزائر التي كانت مرشحة لان تعقب سوريا على قائمة الثورات العربية ( الم يقل وزير خارجية قطر لنظيره الجزائري في القاهرة: الدور عليكم وستحتاجوننا ) ؟ فهل خرج منها الفرنسيون من البحر ليعودوا الى حدودها – وسواهم- من البر؟ وما موقع ذلك كله من الوضع الافريقي، ساحة النزاع الاعنف – الان – بين الاميركيين والاوروبين والصين؟