في الثالث من شباط 2012، وقف فلاديمير بوتين امام ثلاثة عشر الف شخص من مؤيديه، ليطرح على منافسيه في الحملة الانتخابية سؤالا واحدا : ” هل تحبون روسيا؟ ” بعد ان قال ان ما يجمع حزبه، روسيا الموحدة،هو هذه المحبة.
لم يكن المرشح يمارس خطابا شعريا او رومانسيا فربيب الكي جي بي هو أبعد ما يكون عن ذلك، وإذا كانت له من اهتمامات خارج السياسة وما تعنيه من اقتصاد وامن، فإنها اهتمامات تتركز في الرياضة وبانواعها التي تترجم التحدي ويقدم تسويقها الإعلامي للجمهور صورة الرجل القوي، القيصر الحديث.
حب روسيا هو بالنسبة لهذا الرجل، الذي ولد في أسرة بسيطة في بطرسبورغ او لييننغراد، ولحد كان حارسا للينين ومن ثم لستالين، هو الحفاظ على قوة روسيا، لان القوة هي الضمانة الوحيدة لعدم التفكك. بذلك نفهم إخلاصه الحار لعمله في الاستخبارات الداخلية ومن ثم في الاستخبارات الخارجية أيام الاتحاد السوفييتي، وانتقاله الى العمل مع غورباتشوف ثم يلتسين ثم إزاحته لهذا الأخير، في عملية إنقاذ لو تأخرت قليلا لكانت روسيا قد تفككت وانتهت عن الخارطة السياسية، لينتهي معها اي حلم بعودتها كقوة دولية بين القوى العظمى.
ليست العقيدة الفكرية ما يهم هذا القائد التاريخي وإنما روسيا. فقد كان يوما يحارب المنشقين عن الاتحاد السوفييتي، ثم حارب بشدة المقاطعات الصغيرة التي فكرت بالانشقاق عن روسيا، ثم حارب الاوليغارشيين الذين فكروا ببيع مصالح روسيا للغرب أو لامريكا، وهم عشرات لعل أبرزهم كودوروفسكي الذي حصل في أزمة الفساد التي رافقت انهيار الاتحاد السوفييتي على ليكوس بقيمة 309 مليون دولار، ومن ثم ربط علاقات مع شيفرون تكساس وهاليبرتون، وقرر بيعها للشركات الامريكية بـ 4 مليارات دولار، فكان مصيره السجن في سيبيريا. ذلك في حين استوعب اوليغارشيين آخرين قبلوا بالمهادنة والانضواء تحت راية مشروع الدولة الروسية. دولة عمل على وضع كل شيء في خدمة مصالحها الجيوستراتيجية، خاصة الاقتصاد والعقيدة العسكرية. ليصل بها من دولة منهارة على وشك التفكك إلى دولة تجتاز الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2007 بحيث يصنفها البنك الدولي عام 2010 كدولة خارج الأزمة وكقوة ثانية بعد اليابان على قائمة الدول الصناعية مع معدل نمو بلغ 9،2 % ومعدل نمو صناعي بلغ 8،5 %. دولة تعتبر الآن المنتج الأول للغاز بواقع 6000 متر مكعب سنويا والمصدر الأول بواقع 2000 متر مكعب سنويا اي 10% من إنتاج العالم. ويبلغ احتياطها النفطي 25% من الاحتياط العالمي. مع 150 ألف متر من الأنابيب.
بكل تلك القوة تعمل روسيا على استعادة موقعها على ا لخارطة العالمية، استعادة اعلن بوتين اطلاقها في مؤتمر ميونيخ عام 2007 وعاد ليؤكدها في مؤتمر حلف شمالي الأطلسي في بوخارست عام 2008. معتمدا طريق الحفاظ على النمو الاقتصادي في الداخل مع تحقيق الاتفاقيات الكبرى مع الخارج. وهي استعادة تتجه في ثلاث اتجاهات مركزية : أوراسيا، أوروبا والشرق الأوسط. حيث تتواجه في الثلاثة مع نفوذ الخصم الامريكي ونفوذ الحليف الصيني وحاجة الطرف المتنازع عليه إلى كل من هؤلاء.
بهذه القراءة يجب علينا ان نقرأ علاقتنا بالدولة الروسية، وبزيارة القيصر الذي كرسته الكنيسة الأرثوذوكسية وكرسها، فهم موقع هذه الكنيسة بين عناصر قوة روسيا، فالتزم بإحياء نفوذها، والتزمت هي بدعمه، في سياق قومي أبعد ما يكون عن الديني.