ما ان اعلن فوز مرشح الاخوان المسلمين في مصر حتى انطلقت دعوات المصالحة الوطنية` والمقصود بذلك اشتراك الجميع في الحكم بطريقة او باخرى ولو بجوائز ترضية. واذا كنا نقول ان الانتخابات لعبة ديمقراطية، فان ذلك يعني ان فريقا يربحها فيحكم ويتحول الفريق الاخر الى المعارضة، ومنها يقوم بدور الرقيب والمحاسب والناقد، بناءا على رؤية وبرنامج مقابلين للرؤية والبرنامج الحاكمين. حتى اذا جاءت الانتخابات التالية عاد الفرقاء الى الساحة وترك للناخب ان يحاسبهم، فاما يعبر عن رضاه على الطرف الحاكم فيعيد انتخابه واما يعبر عن سخطه ورغبته في البرنامج المعارض فيختار مرشحيه. فلا ديمقراطية بدون رقابة ناقدة، ولا ديمقراطية بدون تداول وتجريب عملي واقعي، يقيم الاقوال بالافعال. فلماذا يتحقق هذا في كل دول العالم ولا ينطبق على العالم العربي؟ لماذا نجد في فرنسا رئيسا اشتراكيا او يمينيا معتدلا وربما تقدم لاقصى اليمين، وفي اميركا رئيسا جمهوريا او ديمقراطيا، ولكل من هؤلاء فريقه الكامل. في حين لا ينقذ لبنان الا رئيس وفاقي، ان هو الا رئيس مشلول، ولا ينقذ مصر الا رئيس محاط بدائرة تصالحية؟ ومن الذي سيرصد ويحاسب؟ ومن الذي سيقترح البديل او البدائل في المراحل اللاحقة؟ وهل من ديمقراطية بدون معارضة فاعلة؟
اعرف ان هذا الكلام قد يبدو نظريا، وان الكثيرين سيقولون ان المنطق الوفاقي هو البديل الوحيد للاقتتال وللحروب الاهلية وحتى لتقسيم البلاد، على المدى البعيد. وهنا تبرز افتان ان هما الا نقيض الديمقراطية: العنف وعدم تبلور مفهوم المواطنة. كما ان اخرين سيقولون ان هذه المشاركة هي الضمانة الوحيدة لمنع (التكويش ) كما شاع في الخطاب المصري في الايام الاخيرة. ولكن لماذا نرفض التكويش؟ انه قاعدة المسؤولية. والقاعدة الاساسية في القانون هي: ” الغرم بالغنم ” والحساب بقدر المسؤولية. وعليه فاذا توزع الغنم توزع الغرم، واذا توزعت المسؤولية توزع الحساب وضاعت الطاسة فلا سبيل للاصلاح ولا للتداول.
لقد فاز الاسلاميون ( بفروعهم ) بنصف اصوات المقترعين تقريبا، ولهؤلاء برنامجهم، فلتترك لهم الفرصة لتطبيقه، ولينصرف الاخرون من قوميين وليبراليين وحزب وطني ويساريين، كل لتجميع صفوفه وتنظيم نفسه، وبلورة برنامجه في مقابل البرنامج الاسلامي. ولتكن لكل ساحاته ولكل جماهيره ولكل اعلامه، حتى اذا جاءت الانتخابات القادمة نزل بها الى الساحة ونال تقييم الناخبين له ولاداء الفريق الحاكم. واذا كان ثمة من يتخوف من ان مشروعا كهذا قد يبدو مستحيلا لان من يحكم سيتشبث عندها بالحكم وسيصعب تبديله، فان الشعب الذي اسقط نظام مبارك قادر على اسقاط اي اخر لا يحتكم لحكمه، اذا عمل السياسيون فعلا على توعيته لا على مجرد استقطابه غرائزيا. خاصة وان الانتخابات المصرية قد كشفت ان لكل فريق من الذين خاضوها قاعدة شعبية يحلم بها اي قيادي سياسي.
بهذه القاعدة تكون الثورات العربية متجهة فعلا نحو مشروع دمقرطة، ومشروع اصلاح، والا فانها ستتحول الى محاصصة طائفية، حزبية، مناطقية وحتى فردية، الى جائزة كبرى وجوائز ترضية تسكت الجميع، وتتسر على الاخطاء وتقطع الطريق على اي اصلاح نحو دولة مدنية حديثة. وتؤمن للاجنبي ان يشترينا بالجملة بعد ان كان يشتري انظمة ويستفز معارضات.