الاقتراع خوفا

الربيع العربي، 24-06-2012

ليست هي المرة الاولى التي يقترع فيها الناس بنعم تعني اللا. اي ان يختاروا هذا لمجرد خوفهم من ذاك او رفضهم له. خيار التخويف هذا لجا اليه المرشحون الغربيون بشكل فاقع بعد احداث 11 سبتمبر بحيث اصبح  رعب الارهاب هو المعيار الاول لاختيار المرشح الرئاسي، واصبحت الستراتيجيات الانتخابية لجورج بوش او طوني بلير او نيقولا ساركوزي تتركز بشكل اساسي على ترويع الناس: ” هذا هو الارهاب ونحن من يحميكم “، وكان اخر هذه الالاعيب قصة الشاب الجزائري محمد مراح قبيل انتخابات فرنسا. غير ان النتيجة جاءت لتقول ان هذه المسرحية قد انتهت،خاصة بعد اتضح ان الرئيس الذي ” يقاوم الاسلام والارهاب” هو على راس من يتحالف مع الاسلاميين في ليبيا وسواها، بعد ان كان يتلقى تمويلا من القذافي.   ولذا عادت  اشياء اكثر واقعية لتحسم خيارات الناس.

الاقتراع خوفا انتقل الينا، هذه المرة، وقد حاولت ان احصي عبارات التخوف التي سمعتها في الندوات واللقاءات والشهادات المتعلقة بالانتخابات المصرية،على مدى اسبوع، لاجد ان اللعبة كلها تتلخص في كلمتين: التخويف والطمانة.

التخويف من الاسلاميين، التخويف من حكم العسكر، التخويف من الحرب مع اسرائيل، التخويف من الحرب الاهلية. التخويف من الديكتاتورية، التخويف من الاقصاء … وفي سياق ذلك تتكرر تعابير مصرية شعبية: ” التغول “، ” التكويش” ولا يتورع حازم عبد العظيم، من وصف من لا يقترعون لمحمد مرسي بالحمقى، ثم يعود ليعتذر.

وفي حملة التخويف هذه، تنخفض الاصوات التي تطرح البدائل الحقيقية، اذ تتحول البدائل الى خطاب الطمانة ليس الا، وكان هدف الثورة ان تضع مجموعة مكان اخرى،طبقة حاكمة مكان اخرى.  لا ان تقيم نظاما جديدا يقوم على رؤية جديدة للحياة والمجتمع، على منظومة قيم سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة، تترجم في شرع جديدة. تحترم حقوق الانسان ودولة القانون ومفهوم المواطنة، التي لا تميز بين مواطن واخر بناءا على اي معيار يتعلق بالدين او العرق او الجنس. وعلى اي مستوى من مستويات الحقوق.

واذا كان يحلو للكثيرين ان يستشهدوا بالثورة الفرنسية ليبرهنوا على انه ما يزال امام الثورات وقتا كي تؤتي اكلها، فان على هؤلاء ان يتذكروا ببساطة، ان هذه الثورة لم تقم لمجرد حراك فقراء وسجناء الباستيل، وانما قامت على مداميك عالية من فكر جان جاك روسو وديدرو وفولتير والموسوعة الفرنسية، مما اوصل الى اهم اعلانين في تاريخ الديمقراطيات: حقوق الانسان وحقوق المواطن. واذا كانت الحقوق الاولى  هي ما ينتبه اليه الناس كثيرا، فان الحقوق الثانية هي الاهم، اذ لا مجال لتطبيق الاولى بدونها، بل ولا مجال لقيام دولة حقيقية حديثة بدونها.

ولذا فان اية ثورة لا توصل الى مفهوم المواطنة بالمعنى الكامل، واية عملية برلمانية لا تقوم على المساواة الكاملة في حقوق المواطنة ستظل عرجاء يقترع فيها المواطن خوفا من الاخر لا تاييدا لبرنامج واضح يرتقي بالبلاد والشعب. وسيظل هذا العرج اعاقة دائمة لا تنقضي بسرعة كما حصل مع حملة التخويف  التي لم تعش في اوروبا واميركا اكثر من دورتين. ذاك ان اسبابها هناك مفتعلة وكاذبة، اما اسبابها في المجتمعات العربية – ولنقل ذلك بصراحة – حقيقية وتكمن في خللل عميق في مفهوم الدولة ومفهوم المواطنة، وهوس طارىء بالديمقراطية لا يفهم من الديمقراطية الا الذهاب الى صناديق اقتراع تكرس تخلفا سياسيا واجتماعيا. طالما ان الخيارات التي تنزل فيها لا تاتي نتيجة انفتاح الجدال الفكري الحر على الساحة العامة وتشكل التيارات الفكرية الواضحة التي تتصارع رؤاها بحضارية وحرية، تقضيان تدريجيا على الانتماءات القطعانية والهويات الفرعية القاتلة من دينية ومذهبية وعرقية.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون