قبل اكثر من سنة كنت في زيارة للبنان – شماليه وفاجاني ان ارى تظاهرة تخرج يوم الجمعة في طرابلس حاملة رايات مكتوب عليها: ” الخلافة الاسلامية- ولاية لبنان “، وقد ظننت للوهلة الاولى انها تعود لحزب التحرير الذي اعتاد على رفع هذا الشعار، لكن اهل المنطقة اوضحوا لي انها تعود لمجموعات سلفية جهادية جديدة على عاصمة الشمال وانها ترفع الشعار نفسه بالنسبة لسوريا والاردن.
التساؤل الذي برز تلقائيا: اذا كانت هذه كلها ولايات فاين هو المركز اذن؟
قبل يومين عرضت التفزيونات السورية واللبنانية شريطا لمجموعة جهادية تحمل اسم ” النصرة”، هو نتيجة التحقيات في تفجيرات دمشق وضواحيها بما فيها التفجير الكبير. حيث تم التعريف بكل منفذ لكل عملية: صورته، معلومات تفصيلية عنه، ثم شهادات من اهله: امه، ابوه، اخوه، عمه، صديقه الخ… تحدث كل من هؤلاء عن قصة ابنه وكان الملفت في احاديثهم بضع نقاط مشتركة:
الاولى ان جميع الاهالي متدينون ( الامهات محجبات والاباء لا يفوتون صلاة بحسب تعبيرهم، ولكنهم من ذلك النوع المتدين الذي طالما عرفناه في حياتنا التعددية الجميلة، طيبون، سمحون، مترفعون عن الاذى بابسط اشكاله، فكيف بالقتل؟ كانت ام تفجير الميدان تبكي بحرقة وتقول: اقول الله يرحم ولدي ولكنني اتحرق اذ كيف سيرحمه وفي رقبته كل هؤلاء الابرياء؟
الثانية ان الانتحاريين جميعا كانوا غائبين عن عوائلهم لمدة طويلة تتراوح بين خمسة اشهر الى خمس سنوات، وان هذا الغياب كان اما في لبنان واما في العراق وربما في اماكن اخرى لم تذكر.
الثالثة ان بعضهم ( اثنان) عادا الى البيت في زيارة قبل تنفيذ العملية واحدهم ابلغ اخاه انه جاء دوره على عملية الانتحاريين، وانه جاء ليودعه. قائلا ان هناك قائمتنين واحدة بالعمليات والثانية بالمتطوعين.
الثالثة ان الذين كانوا في لبنان كانوا متورطين بتعاطي المخدرات وربما بتوزيعها، وهذا ما يذكر بحادثة كاراكاس التي وقت قبل اسبوعين في منطقة الحمراء في بيروت، حيث ادى الخلاف بين مجموعة استاجرت شقة هناك الى اشتباك مع الجيش ادى الى مقتل واحد واعتقال اثنين وضبط كمية كبيرة من الاسلحة والمخدرات، وقالت الشاهدة ان صديقها كان يمزج الهيروين بالكوكايين واحيانا بالويسكي. دون ان يعني ذلك التعميم الساذج، بان كل من يلتحق بهذه الجماعات مخدر، لا بالتاكيد فهناك اسباب كثيرة اجتماعية وتجهيلية وطبقية ومفهومية وسياسية، اسباب من ياس ومكبوت واحتقان وهروب مرضي الى الماوراء والانتقام، لا تشبه الهروب الايماني الى الماوراء بصيغته الانسانية التي تقود الى السكينة والتسليم.
غير ان الاهم من كل هذا، هو ان اعترافات اميرهم المعتقل التي جاءت في نهاية الشريط، كشفت عن امور كثيرة منها طبيعة الهيكل التنظيمي، حيث قال بان اسم النصرة هو اسم تم اختياره بديلا شكليا عن القاعدة لان هذا الاخير لم يعد مقبولا على نطاق واسع. ان ذلك حصل في العراق، لانه بحسب مفهوم هؤلاء فان العراق هي مركز الخلافة ( خلافتهم) وهناك امير يعين امراء للولايات: لبنان، سوريا، الاردن وهؤلاء يعينون امراء مناطق وامراء المناطق يعينون امراء احياء، ويعملون على تجنيد الشباب وارسالهم للتدريب وتنفيذ المهمات. الهيكلية عادية وطبيعية، غير ان المهم فيها ان المركز هو العراق وان كلا من هؤلاء الامراء يبايع من فوقه دون ان يعرفه – كما قال الرجل – واكثرهم لا يعرفون الامير الكبير في العراق!!!
معلومة تعيدنا الى وثيقة اميركية قديمة اعدها السفير الاميركي في القاهرة، تقول بضرورة تقسيم العراق، ومن ثم سوريا، ولكن بشكل يؤدي الى تهجير سني من سوريا لاقامة توازن مع الشيعة في العراق يسهل عملية التقسيم، وتهجير المسيحيين الى الخارج او الى المناطق المسيحة في لبنان، وحصر العلويين والدروز في منطقتين متصلتين، كي يمكن رسم الخريطة الجديدة لمنطقة سوريا الطبيعية، وصولا الى مشروع البينيلوكس: دولة اسرائيلية يهودية قوية، يبرر وجودها مجموعة كانتونات طائفية ضعيفة منتثرة حولها.