لكأنهن اخترن إحياء ذكرى النكبة على طريقتهن: خزامى حبايب، رضوى عاشور، أمل مختار، هيفاء زنكنة، ليلى الجهني، منيرة الغدير، غادة السمان، هدية حسين، إميلي نصرالله، أثيل عدنان، ليلى أبوزيد، وابتهال سالم.
كاتبات عربيات أثبتن أنهن فوق الإغراء الذي يمد في العادة للمثقفين العرب للوقوع في فخ التطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني، وأنهن كذلك فوق العُقَد التي تتخذ من الجنسوية والنسوية وسيلة لإسقاط النساء في هذا الفخ على اعتبار أنهن أقل تسييساً وأكثر انجذاباً إلى أعمال تقع تحت عنوان “التضامن النسوي”.
غير أن السمسار أخطأ العنوان هذه المرة – رغم أنه قد وفق في مرات سابقة – لأنه وقع على مبدعات حقيقيات وعلى كاتبات ملتزمات. السمسار هو مركز دراسات الشرق الأوسط، في جامعة تكساس – أوستن. حاول خداع هذه المجموعة بحجة إصدار مجموعة قصصية مترجمة لكاتبات من الشرق الأوسط، في ذكرى مُؤَسسته، باعتبارها امرأة. غير أن تنبه خزامى حبايب إلى قائمة الأسماء المطروحة واكتشافها وجود كاتبتين “إسرائيليتين” على القائمة، وتعميمها الأمر على الأخريات، أفسد الخطة. طالبت الكاتبات جميعاً بسحب قصصهن لكن المركز رفض بحجة أن ذلك تمييز عنصري، ودارت معركة حادة استطاعت فيها خزامى الرد باعتبارها كاتبة فلسطينية. وبعد تشبث الكاتبات بموقفهن وتهديدهن باللجوء إلى القضاء، اضطر المركز إلى الرضوخ، وألغى المشروع لأن المجموعة القصصية لم تكن لتصدر بكاتبتين إسرائيليتين فحسب، إضافة إلى أن الهدف الحقيقي من إصداره لم يعد ممكناً.
فشل الرهان الذي اعتاد سماسرة التطبيع المراهنة عليه، وهو طمع كاتب بما يمكن أن يفتحه له التطبيع من ترجمة وتسويق واستضافات وجوائز وتنفيعات من أبواب السفارات والدوائر الإعلامية والتمويلية في الغرب، هذا من جهة، ومن جهة ثانية اللعب على وتر عُقَد معينة، عرقية أو مذهبية أو جنسوية أو حتى دينية، إذ يبدو أن المنظّم قد اختار بعناية أن تكون الكاتبات موزعات على دول عربية مختلفة في المشرق (فلسطين، لبنان، سوريا، العراق، مصر والخليج) والمغرب العربي، وعلى طوائف مختلفة، مسيحية ومسلمة شيعية وسنية، بل وحرص على أن تكون بينهن كردية هي هيفاء زنكنة. وهنا يتبادر السؤال: هل كان المشرفون على الخطة يجهلون دور رضوى عاشور الوطني مثلاً؟ أو نضال هيفاء زنكنة الفريد لأجل العراق، كل العراق؟ أو مواقف الأخريات؟ أم أن الأمر وصل بهم إلى الاعتقاد بأن حالة الفوضى العربية الحالية قد تجعل من هؤلاء أشبه ببعض ثوار ليبيا الذين لحقوا ببرنار هنري ليفي الناشط الصهيوني الذي يلقب نفسه بفيلسوف؟ أم أن سقوط بعض الكتاب ضعفاء النفوس، من مثل من شاركوا قبل عامين في كتاب عن مدن شرق أوسطية مع كتاب “إسرائيليين” كتبوا عن تل أبيب إلى جانب عمان وبيروت هو ما يسوّل للمؤسسات الغربية المحاولة مع سواهم؟
من هنا تأتي أهمية هذا الرد – الموقف في التأكيد أن شعلة النضال الوطني هي أمر يحرسه الخلّص من الشعوب في أسوأ حالات البلبلة، ولا صحة لما يشيع في كل الدوائر الغربية من أن الالتزام بالقضية الفلسطينية قد انتهى في المجتمعات العربية لمصلحة الاهتمامات المعيشية اليومية التي أرادوا أن يقنعونا بأن الثورات لم تقم إلا لأجلها. كذلك في التأكيد أن الكتّاب، كبارهم وجلّهم، ظلّوا على امتداد العالم العربي أوفياء لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، انسجاماً مع التزام وطني قومي من جهة، ومع التزام إنساني لا يسمح لمن يطرح نفسه ضميراً للأمة وللإنسان – أية أمة وأي إنسان – أن يقف إلى جانب الظلم والاغتصاب والعدوان والعنصرية في أبشع صورها. وما الاستثناءات – الصغائر إلا استثناءات، تقع في طبيعة النفوس الضعيفة.