مباراة ملاكمة ديبلوماسية, هكذا وصفت الصحافة الفرنسية المؤتمر الصحافي المشترك لفلاديمير بوتين وفرانسوا هولاند. بل ان صحيفة لو فياغرو استعملت لغة وصف مباريات الملاكمة لصياغة الخبر مستعملة بعض الكلمات الانجليزية التقنية الخاصة بهذه الرياضة. غير ان المهم هو ما سبق وما سيتلو. فقبل المباراة كان فرانسوا هولاند قد وعد في مقابلته المتلفزة الاولى كرئيس لفرنسا بانه يتعهد باقناع بوتين بالتدخل العسكري في سورية بقرار من مجلس الامن: لا بد من التدخل – قال الرئيس الجديد – اما روسيا والصين فدعوا اقناعهما لي. بعضهم قالوا ان ذلك من باب العلاقات العامة وتنفيذ بعض التعهدات خلال الحملة الانتخابية, وبعضهم الاخر قال ان هولاند يعني ما يقول لان بيده اوراقا سيواجه بها بوتين: التبادل التجاري, الدرع الصاروخية, وورقة المعارضة السورية التي ستلتئم في مؤتمر اصدقاء سورية المقبل.
غير ان بوتين لم يصل باريس الا بعد برلين, وهناك حققت جولته هدفها بوقوفه مع انجيلا ميركل على خط توافق, اهم ما فيه ظاهريا هو الاتفاق على اعتماد الحل السياسي دون سواه في سورية, وأهم ما فيه جوهرا قول ميركل ان بلادها تخذت قرارها النهائي بشان الغاز, فلا خيار الا خط السيل الجنوبي, اي موسكو – قالت المستشارة بوضوح. وعليه انتقل الامر الى تطوير التبادل التجاري.
هكذا دخل الملاكم الروسي الحلبة الفرنسية وقد حسم معركة الاعتراف بانه اللاعب الاساسي في الازمة. ردا على التلويح بالتبادل التجاري بانه لا يتجاوز 28 مليار دولار في حين يصل مع المانيا الى 72 مليارا, اما الدرع الصاروخي فتناوله ديبلوماسي روسي في العاصمة الفرنسية بقوله ان المؤامرة ضد سورية انما تهدف في الحقيقة الى عزل روسيا بعيدا عن المياه الدافئة ووراء الدرع الصاروخية, واخيرا ورقة المعارضة التي هي في الواقع ممزقة بين فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والسعودية وقطر وتركيا, بحيث تلتقي مصالح كل هؤلاء حينا وتتضارب احيانا وفي كل الاحوال لا تعطي لاي منهم حصرية استعمالها, في حين تتمتع موسكو بحصرية التواصل مع المعسكر المقابل, الحكومة السورية.
عليه تمكن بوتين من طرح مقترحه البديل لمؤتمر باريس: مؤتمر دولي يجمع كل الاطراف السورية والخارجية بما فيها تلك التي لم تشارك في مؤتمر اصدقاء سورية. وذلك بعد ايام من طرح وزير خارجية البرازيل, من باريس, ضرورة عقد مؤتمر ترعاه الحكومة السورية, وطرح مستشار الامن القومي الامريكي توماس دينيلون, اقتراحا ينص على ان يستقيل الرئيس السوري ويسلم الحكم لنائبه ويبقى العمود الفقاري للنظام كما هو بحسب ما نشرته واشنطن بوست.
مقترحات تعني كلها دفن فكرة التدخل العسكري الخارجي, غير ان حاجة الضغط في التفاوض ستعزز اتجاهين: الاول تعزيز العقوبات والضغوطات, كما الح فرانسوا هولاند وكما يستعر الخليجيون ووراءهم بعض العرب, وفي اطار هذا التعزيز تأتي قرارات مؤتمر الدوحة كما قرار لجنة حقوق الانسان بشان مجزرة الحولة التي رتبت عشية وصول عنان الى دمشق, وصدرت الادانة الغربية فيها من دون تحقيق ومن دون الاستماع الى الشهود ومن دون اي تقص للحقائق.
والثاني تعزيز الحرب الاهلية على الارض وفي الاعلام, والاعلام قادر, علميا, على ان يرسي واقعا غير الواقع ويكرسه. “انظروا الى العراق وليبيا – قال بوتين لهولاند – هل تجدون السعادة? هل هذه الدول بامن اليوم? نعرف ان القذّافي كان طاغية ولكن لماذا لا تكتبون عما حدث بعد سقوطه وفي سرت بشكل خاص”?
فرانسوا هولاند لم يجب, لان ما يهمه هو ان فرنسا دخلت الى ليبيا علها تعالج مشكلة البطالة التي تتفاقم اكثر فاكثر بحيث اصبح 4 ملايين 590 الف فرنسي عاطلين من العمل وبقي ثلث خريجي 2011 من دون عمل. انه بحاجة الى تصدير الازمة, مثله مثل معظم دول الغرب. وما يهمه – ويهم غيره ايضا – هو, حسب ما قاله في حديثه الصحافي الرئاسي الاول, الا يأتي مكان الرئيس الاسد ” اي كان”, اي من لا ينفذ مصالح الغرب واسرائيل ومخططاتهم.