يقول انطون سعادة: النظام السيء خير من اللانظام. هذا ماكنا نتذكره خلال الحرب الاهلية اللبنانية وخلال كل احداث امنية غير منضبطة جاءت بعدها. مقولة تتاكد يوما بعد يوم من خلال العراق وسوريا وحتى لبنان. ويتجلى ابرز تجل لها مع اختطاف الحجاج اللبنانيين في منطقة حلب. فمنذ الحادث ونحن نسمع كل خمس دقائق تصريحا مناقضا لما قبله، سواء من قبل الجيش الحر او من قبل وجوه برزت على الساحة من حيث لا نعرف من مثل امين سر حزب السوريين الاحرار الذي يتضح انه يعرف ادق التفاصيل اليومية عن المختطفين لكنه مع ذلك يصر على انه مجرد مفاوض لا علاقة له بالموضوع.
واخيرا يعترف المجلس الوطني من خلال امين سره بان زعيم المجموعة المسلحة الخاطفة هو عمّار الدادخلي ( وهذا ما كانت قد قالته احدى الحاجات التي تعرفت عليه عند صعوده الى الحافلة )، ويصفه بانه يتزعم مجموعة صغيرة لا قيمة لها، وانه في البداية كان مستعدا لتسليم المخطوفين لكن هناك من ” كبّر راسه”. وبعد ان كان المخطوفون معا على بعد احد عشر كيلومتر من الحدود التركية، اعيدوا الى الداخل ووزعوا افراديا على عدة امكنة متباعدة. وبعد ان كانت مطالب الخاطفين بسيطة تمكنت تركيا من تلبيتها، عادوا فرفعوا السقف الى حدود سياسية متعددة. وبعد ان كانت المجموعة المسلحة بدون اسم، وجدت نفسها بحاجة اليه، فاطلقت على نفسها مرة اسم مجموعة الحق ومرة مجموعة الكرامة
تكبير الراس هذا يصفه مسؤول تركي بانه راجع الى الفوضى، ويصفه محلل تركي اخر بانه راجع الى حالة التضامن التي برزت بين اللبنانيين اثر الحادث، بحيث بدت المصالحة بين سعد الحريري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحزب الله وحركة امل، وكانها كانت تنتظر اي حدث لتتحقق. تضامن كان واضحا انه سيودي الى طاولة الحوار التي دعا اليها رئيس الجمهورية. تحليل يلتقي معه وزير الداخلية اللبناني الذي قال ان تضامن اللبنانيين وتوجههم نحو المصالحة الذي بدا واضحا في تحضيرات الاستقبال، هو الذي ازعج من يخطط للفوضى في لبنان، فلجا الى عرقلة الحل واوحى للخاطفين بتعقيد الامور.
الاوساط اللبنانية تقول، من وراء الاعلام، ان مبادرة الرئيس الحريري الى ارسال طائرته تؤشر – دون شك- الى موقف سعودي محدد، ان لم يكن الى تدخل سعودي ايجابي، لكن طرفا عربيا اخر، لم يرتح لترك ثمرة هذا الحادث للسعودية وتركيا، وربما شجعه اكثر موقف غربي مشابه، فتدخل لتعقيد الامور، وربما سيتدخل مباشرة او غير مباشرة لحلها، او لعرض حلها.
الايام القادمة ستكشف الحقائق، على الاقل لمن يعمل عقله وتحليله، ولكن ما انكشف بوضوح حتى الان ثلاثة امور: الاول هو الفوضى التي باتت تغرق فيها المعارضة السورية المسلحة، بحيث لم يعد قادتها المعلنون: المجلس الوطني والتنسيقيات بقادرين على ضبطها. وتلك نتيجة منطقية طبيعية للفلتان الامني، واعتماد المواجهة العسكرية بدلا من السياسية.
والثاني هو ان هناك مناطق خطيرة قد اصبحت خارج السيطرة الحكومية السورية، وذلك بدليل ان كل الاطراف العربية والاقليمية تشارك في المفاوضات، الا الدولة السورية. وفي غياب بديل مؤسساتي. بحيث يبدو ان الجميع يتقاتل على اثبات نفوذه على ارض سوريا، كما كان الحال في لبنان ومن ثم في العراق.
اما الثالث فهو ان السلام الاهلي محظور على اللبنانيين، حتى ولو كان حسهم الشعبي العميق يتلمسه عند اي مفترق، فيما يدلل على ان غالبيتهم المطلقة لا تتمثل باولئك الذين يتاجرون بالموت ويراهنون على عودة مال ودماء الحرب الاهلية.