وانت تتهيا لمغادرة الجزائر، تفهم لمادا قاتل الفرنسيون بتلك الشراسة كي لا يخرجوا منها.
بلاد من جمال وثروات تبدا بالخصب والبحر وتنتهي بالذهب، مرورا بالنفط والغاز وغيرهما، بلاد تجمع عناصر السيادة من الجغرافيا الى الديموغرافيا الى الثروة الى التاريخ : تاريخ من عناد وكرامة وتضحيات. محط مطامع استعمار قديم لم يستوعب انه خرج منها واستعمار جديد يسيل لعابه امامها.
ولكنها ايضا بلاد ازمات ومشاكل كتلك التي نعاني منها كلنا، وبلاد اشكالات جذرية تتعلق بالهوية والتنمية والحداثة، بالفساد وارتباطه بمراكز سلطة.
وجيل شباب مستعجل في كل شيء… لا ينج من تاثيرات الحلم الغربي كما من تاثير الفضائيات العربية التي اوقن يوما بعد يوم انها تشكل جريمة العصر العربي وترجمة لمقولة بريجنسكي : ” بعد عصر المدفعية وعصر التجارة، اصبحت تقنيات ووسائل الاعلام وسيلتنا للهيمنة على العالم ”
من المؤتمر الذي جئنا لاجله في المدرسة العليا للعلوم السياسية في جامعة الجزائر، نخرج بعدة ملاحظات :
الاولى هي تاثير هدا الاعلام الخليجي، فكلما ناقشت في امر قيل لك : والدي نراه على الشاشة؟؟ رواية الشاشة تكاد تغلب على كل شيء، في بلد من المعروف انه المستهدف بالمؤامرة التي تشكل هده الشاشات احدى ادواتها. اوقن اكثر بان ما نظر له ليرنر مند عام 1958 حول نظرية اثارة الرغبة في التغيير عبر التماهي، هي نظرية واقعية ومؤثرة، وهي تقود الرغبة في التغيير الى حيث يريد الاميركي، وذاك ما اسماه ليرنر الالتحاق بالمعسكر الاميركي. غير ان الامر تجاوزذلك في الوقت الحالي حيث اصبح المطلوب هو الالحاق بعد التدمير، عبر التدمير الذاتي.
الملاحظة الثانية تتعلق بطبيعة النقاشات في الدائرة العلمية، فقد كنا نصول ونجول بالنظريات والنقاشات المنهجية ولكن دون ربط بالواقع وبالحاجات المحددة للمجتمع المعني. ان دور العلوم السياسية في الغرب هو ان تؤسس لوضع ستراتيجيات علمية وناجعة لتحقيق اهداف الدولة ومصالحها، وفي اطار ذلك يعمل الخبراء والعلماء والممارسون القادرون على وعي الواقعي بعمق، بناءا على النظري وعلى توظيف النظري وتطويره بناءا على الواقعي. فهل ان غياب ذلك عن ساحة البحث في العالم العربي يحول الامر الى مجرد هروب الى النظري، والتعب على ابحاث كل ما تهدف اليه هو تحسين الرتبة الجامعية ورفع الراتب؟ ام انها ازمة اشد عمقا تتعلق بالديمقراطية السياسية، ودرجة اعتماد صانع القرار على معرفة الانتلجنسيا العلمية؟
الملاحظة الثالثة وترتبط بسابقتها هي غياب المرجعية العربية عن مواضيع البحث، فباستثناء ابن خلدون، لم نسمع، على مدى ثلاثة ايام اسما لمرجع عربي واحد، بينما تدفقت علينا كالطوفان اسماء المنظرين والباحثين الاجانب، خاصة الغرببين منهم. وجدير بالملاحظة هنا انني لا اقصد ابدا عدم معرفة تطورات هدا العلم – كسواه- في الغرب والشرق، ولكن ما اقصده هو غياب مساهمتنا فيه بناءا على غياب المدارس الفكرية والتطبيقية. وبالتالي غياب مراكز وتيارات الابحاث الحقيقية التي تعمل لصالح ومصالح البلاد، لا لصالح من يمولها ولا يريد منها اكثر من جمع معلومات واحصائيات يحتاجها في ابحاثه.
الملاحظة الرابعة تنبثق عن الثانية وهي ان النقاش الطويل والعقيم بين افضلية البحث الكمي او النوعي تندرج في السياق السابق. فالكمي ضروري لتفادي التيه في النظريات التي لا تفضي الا الى اغتراب سفسطائي، والنوعي ضروري لتحليل الكمي والخروج منه باقتراحات خطط ونظريات ورؤى.
الملاحظة ا لخامسة تتعلق بالمسكوت عنه والذي يتفجر فجاة، وبدون مبرر واضح عبر مقولات اخرى او ردات فعل تستحق وحدها بحثا.
الملاحظة السادسة، والتي لم تعد مقتصرة على الجزائر ولا على المغرب العربي فحسب، هي ازمة اللغة وعدم قدرة الطلاب على التعبير عن انفسهم بالعربية، بل والاسوا ان بعضهم يستطيع ولكنه لا يريد لان عقدة النقص تجاه الاجنبي استفحلت بحيث تجعله يشعر انه ارقى اذا ما تحدث بالاجنبية، ولانه يرفض العربية لرفضه العروبة من اساسها.
اخيرا لا بد من التوقف عند التنظيم الممتاز للمؤتمر، مشاركة الطلبة الفعالة المميزة والايجابية فيه والاهتمام الديبلوماسي لعدة اطراف. كان من الملفت ان الاميركي منها لم يكن يشغله الا البحث عن المشارك الايراني.