لماذا تعاملت بعض الجهات ( خاصة الاعلامية ) مع وفاتها كانها وفاة بو مدين، ولماذا تجاهلتها جهات اخرى؟
منذ الحادية عشرة من عمرها وحتى لحظتها الاخيرة ظلت الفنانة التي لم تولد في الجزائر ولم تعش معظم حياتها فيها، جزائرية في كل شيء، كما اصرّت على ان تكون في اسمها. من اب جزائري مهاجر الى فرنسا وام لبنانية، كانت الفتاة الصغيرة اقرب ما تكون الى الاخ الكبير مسعودي المنخرط في صفوف الثورة الجزائرية من خارج، وتحديدا في التحشيد لها على الساحة الفرنسية، تنبه لصوت اخته الصغيرة الفذ، فراح يعلمها اغان واناشيد للجزائر ترددها مساءا في مطعم الاسرة ( التان تان) الواقع في الحي اللاتيني، بؤرة العمل الطلابي والحزبي اليساري المناهض للاستعمار، تنامى تاثير الفتاة وصوتها عبر سنوات الى ان تنبه له الفرنسيون فابعدوها ومنعوها من دخول البلاد ثانية، ذهبت الى لبنان، موطن امها، وهناك حاولت ان تجد مكانها الفني فلم توفق، وجاءت فرصتها الكبرى عندما قدمت صوت الجزائر في نشيد “وطني حبيبي الوطن الاكبر” الذي طلبه جمال عبد الناصر. عادت الى الجزائر واحبت ضابطا تزوجته والتزمت بشرطه : اعتزال الغناء. الى ان طلب منها الرئيس بومدين احياء احتفالات ذكرى الثورة والاستقلال. لم يستطع الزوج ان يرفض طلب بومدين لكنه استطاع ان يطلق زوجته. فانطلقت من جديد في عالمها الفني، وظلت طوال حياتها وفية لهذا الخط الذي رسمه بومدين وناصر. الى ان طلبت ان يلف نعشها بعلمي مصر والجزائر، كانها تريد ان يكون موتها ترميما للشرخ الذي اصاب التوامة بين البلدين اثر مباريات كرة القدم الشهيرة.
قبل الموت، لم تقف وردة متفرجة على ما يحصل فيما يسمى الربيع العربي : فوجهت رسالتين كلن لهما الاثر الكبير في التعامل مع اخبار وفاتها وجنازتها : الرسالة الاولى وجهتها وردة الى مسؤولي قناة الجزيرة ونشرتها الصحافة الجزائرية، تدين فيها الطريقة التي تغطي بها المحطة الاحداث وتتهمها بخداع مشاهديها، بالتحوير والتضليل وافتعال احداث والتستر على غيرها الاحداث. كما تدين اصطفاف الفضائية القطرية الى جانب القوى الاجنبية وتحديدا الاطلسية : ” لقد تسببتم في قتل عشرات الاف الليبيين وما زلتم تحرضون على قتل السوريين… تقولون انكم لم تحملوا اي سلاح ضد احد، ولكنني اجيبكم بانكم تحملون سلاح الدمار الشامل الاكثر قوة.. واذا كنتم ستستمرون في سوء استعمال الميديا فستقتلون ابناء العروبة، واذا كان سادتكم يقبضون معاشهم من ثمن النفط فانكم تقبضون معاشكم من دم المواطنين العرب.. وكلما زدتم في التحريض والتطوير، كلما اطلقتم فتاوى كلما ارتفعت مكافاتكم واجوركم ” ( جريدة الاكسبرسيون الجزائرية ). هذه الرسالة النارية لم تكن الوحيدة اذ وقعت المطربة مع مجموعة من الفنانين المصريين على رسالة اخرى، هي رسالة دعم للرئيس السوري ولسوريا.
اونسال بعدها لماذا تعاملت الجزائر مع جنازتها كما مع ابطال الثورة، لماذا حمل الضباط نعشها وزغردت الاف النسوة عند وصوله الى قصرالثقافة حيث سجي لالقاء النظرة الاخيرة عليه، قبل ان يدفن في مظاهرة شعبية ورسمية؟ اونسال لماذا تعامل معه قسم من المصريين والعرب كذلك؟ ولماذا اغفلت وسائل الاعلام المعروفة لمن تعود ملكيتها، ومن الي يسيطر عليها خبر الوفاة، حتى في الاقنية الفنية البحتة والتي تبث نشرة اخبار فنية؟
الا نسال بعد ذلك : اين هذا الجيل الجميل، جيل المواهب والمواقف من جيل تتدفق فيه شلالات الفساد والتفاهة، بحيث تقضي حتى على المواهب ان وجدت؟ من سيخلف الكبار من مثل ام كلثوم، عبد الوهاب، عبد الحليم، فيروز، وديع، ووردة؟