المؤتمر العلمي للمدرسة العُليا للعلوم السياسية – الجزائر 15/16/17/18 مايو 2012
ورقة مُقدّمة من: د. حياة الحويك عطية
تداخُل مناهج العُلوم الإنسانيّة
إلارتباط بين علوم الاتصال الجماهيري والتطوُّرات السياسية (نماذج تطبيقية من الفضائيات العربية)
الفهرس
أولاً- العلاقة التاريخية بين الإعلام، الإنتخابات والحروب: 3
ب- الحرب الباردة (1945-1989): 4
ج- النظام العالمي الجديد ومجتمع الاتصالات (1990): 5
ثانياً: النظام الإقليمي الجديد والفضائيّات العربيّة (نموذجاً لتقاطع السياسي بالإعلامي) 6
1-المرحلة الاولى: نشوء الفضائيات يترجم التنافس المصري – السعودي على زعامة العالم العربي عام 1990: 10
أ- مبادرة مصرية تترجم محاولة استعادة دور المركز: 7
ب- الرد السعودي، إنشاء الـ MBC والباقات الفضائية: فصل تأسيسي في الإمبراطورية التلفزيونية: 8
أ- قطر – الجزيرة : الوجود عبر الإعلام: 11
ب- الامارات العربية المتحدة: تطورات فضائية ابو ظبي وامتزاج الخليجي بالاقليمي: 13
ج- السعي السعودي لامتلاك قناة اخبارية يعبر عن تقاطع مصالح: داخلية، خليجية،اقليمية واميركية” 15
ثالثا – القسم الثاني من المشروع الأميركي:ارساء الشرق الاوسط الجديد، ودور اساسي للإعلام: 17
1- ما بعد احتلال العراق : المقاومات، الشرخ المذهبي وسياسة المحاور: 17
2- توظيف وسائل الإتصال الجماهيري في عمليّات التغيير: من ليرنِر إلى إعلام إقتصاد السوق: 17
3- إعلام الحراك العربي الحالي: 19
مُقدّمة
إذا كان مفهوم التداخل المنهجي بين العلوم، خاصة العلوم الانسانية (interdisciplinaire) قد اصبح يشكل بديهية علمية، فان ما سنحاول تبينه في هذه الورقة هو طبيعة التداخل بين العلوم السياسية وعلوم الاتصال الجماهيري، عبر مقاربتين: تاريخية ومنهجية.
يتفق علماء الاتصال الجماهيري على أن تطور هذه العلوم بمفهومها الحديث، بحثاً وتنظيراً وتطبيقاً، قد ارتبط بشكل رئيسي بامرين : الحرب والانتخابات. فعاليتان اساسياتان في التاريخ السياسي، ومساقان مهمان في مناهج تدريس العلوم السياسية. واذا كان مصطلح الانتخابات يبدو مرتبطاً بدوره بنظام سياسي ديمقراطي، برلماني او رئاسي حكم جزءاً من العالم خلال القرن الماضي، فإن المصطلح الاول: الحرب لا يقتصر على الحرب بسياقها العسكري فحسب، وإنّما يعني أيضا الحرب السيكولوجية التي ظهرت نظريتها وتبلورت تطبيقاتها من الحرب العالمية الاولى وحتى الثانية، كما يعني الحرب الباردة التي عرفت بحرب النفوس والافكار وذاك ما تكفلت به وسائل الإعلام بالدرجة الاولى، وصولاً إلى العولمة التي جعلت من مجتمع الاتصالات وسيلتها في حربها للهيمنة على العالم.
أولاً- العلاقة التاريخية بين الإعلام، الإنتخابات والحروب:
1- في الإنتخابات
تلعبُ وسائلُ الإتصالِ الدورَ الرئيسيَ في الحملات، في تسويقِ أو تشويهِ مُرشّحٍ وبرنامجٍ ورؤية، بالإعتمادِ على عُنصُرَي الإقناعِ والسيكولوجيا. وتُكللُهُ بالمناظراتِ التي قد يكونُ مِنْ أشهرِها المُناظرَةُ التاريخيةُ بينَ نيكسون وكنيدي، التي قلبَتْ ميزانَ التوقعاتِ في الانتخاباتِ الرئاسيةِ الاميركيةِ عام 1960.
2- في الحرب
أمّا في الحربِ فإنّ المقاربةَ تنقسمُ إلى قسمين: الحرب العسكريّة والحرب الباردة، ومن ثم النظام العالمي الجديد.
1- الحرب العسكرية
نورِدُ ثلاثةَ أمثلةٍ تاريخيةٍ على هذا التقاطع:
الأوّل هُوَ دَورُ الآباءِ المؤسسين لعلومِ الإتصالِ الجماهيريِ في وكالاتِ إعلام الحربِ الاميركيةِ في الحربِ العالميةِ الثانيةِ. الثاني هو ما سُمِّيَ بقواعدِ دعايةِ الحربِ التي وُضِعَتْ خَطّيّاً للمرةِ الأولى عام 1943 على يدِ الدبلوماسيّ البريطاني اللورد البريطانيّ بونسومبي (1871-1946)[1]، وأُعيدَ التذكيرُ بِها في فيلمٍ عن حربِ كوسوفو حَمَلَ عُنوان: تحتَ قنابلِ الأطلسيّ (sous le bombes de l’Otan)[2]. والثالث من الحربِ الكورية، أو تحديداً مِنْ دُخولِ القواتِ الاميركيةِ إلى كوريا.
المثال الاول: إنّ الباحثينَ الذينَ اعتبروا الآباءَ المؤسِّسينَ لعلم الإتصال في الولايات المُتّحدة الأميركيّة مُنذُ الحربِ العالميّةِ الأولى، والذين بَلوَروا مُعظَم النظريّاتِ المعروفةِ في هذهِ العلوم، وهُم هارولد لازويل، دانيال ليرنر، ويل شرم، ليو لوينتال، لوسيان باي، كانوا مُنضوّين في الوكالات التي سُمّيَت وكالات إعلام الحربِ التابعةِ للجيشِ الأميركيّ في الحربِ العالميّةِ الثانية والتي تكفّلت مع الإعلام البريطاني بمواجهةِ الحربِ الإعلاميّةِ النازيّةِ التي اعتَمَدَت على الراديو، بحيث كرّسَت الشعارَ المعروف “لا هتلر بدون الراديو”، ومن أهمّ هذهِ الوكالات: وكالةُ الاجهزةِ الستراتيجية office of strategic service (OSS)، وكالةُ إعلام الحرب (OWI) office of war information، حيثُ بلوروا نظرية الحرب السيكولوجية (Psychological war). بِدءًا مِنَ الدراساتِ حولَ مُحرّضاتِ الجُنودِ في ساحةِ القتالِ وُصولاً إلى التأثيرِ في مَعنَويّاتِ العدوّ مُروراً بإقناعِ الرأيِ العامِ بمشروعيةِ الحرب.
المثال الثاني : في عام 1943 كرس اللورد بونسومبي «كتابيا» , مبادىء دعاية الحرب التي كانت تتداول شفويا منذ الحرب العالمية الاولى. وقد لخصها في اربعة مبادىء:
- المبدأ الاول : نحن لم نُرد الحرب.
أوضح بونسومبي أنّ أوّل ما يلزم لدعاية الحرب هو إقناع الجمهور بأنّنا لم نُرِد الحرب قطعيّاً. بأنّ الآخر هو الذي بدأها. وأنّنا إنّما نُدافع عن نفسنا.
- المبدأ الثاني: شخصنة العدو
” لا نستطيع أن نكره بالجملة – يقول اللورد – ولذلك يجب شخصنة العدو , أي تجسيده في شخص, رئيس او زعيم نصوره كمريض أو كمجنون أو كمنفصل عن الواقع”.
- المبدأ الثالث: دوافعنا هي إنسانية
يجب التعتيم كلياً على الأهداف الاقتصادية والسياسية للحرب والتركيز على أنّ أهدافنا إنسانية من مثل: سحق العقلية العسكرية العدوانية، الدفاع عن دولة ضعيفة في وجه دولة قوية، ونشر الديمقراطية
- المبدأ الرابع: نشر روايات مكثفة عن الفظائع التي يرتكبها الخصم
يجب نشر هذه الصور والروايات مع التركيز على أنها سلوكيات مألوفة من قبله حتّى قبل الحرب، وهذه النقطة مهمة جداً كي لا يقال انّه أمر عادي أن ترتكب جميع الجيوش جرائم في وقت الحرب.[3]
واذا كان تسويق وصايا اللورد بونسومبي يحتاج الى كثير من الجهد في الاربعينيّات، فإنّ الأمرَ قد أصبحَ بالغَ السهولةِ مع الفضائيّاتِ الحديثةِ ومعَ وسائلِ الإتصالِ المعروفةِ بالإعلام الجديد.[4]
المثال الثالث: الحرب الكورية: في مجالِ مُلاحظتِهِ للتزامنِ بينَ “أولِ بثٍّ للجيشِ الأميركيّ في 28-9-1945 في نهايةِ حربِ المحيطِ الهنديّ ودُخولِ الوحدةِ الأميركيّةِ الرابعةِ والعشرين إلى كوريا الجنوبيّة “يُلخّصُ جاك بارا طبيعةَ هذهِ البرامجِ الإذاعيّةِ التي كانَتْ تستهدفُ الجنودَ الأميركيّينَ مِن جِهة والجمهورَ الكوريّ مِنْ جِهَةٍ ثانية، بمُعادلةٍ بليغة “أخبِر، سلِّ، وواسي” مُعادلةٌ تنطبِقُ أيضاً على تلفزيونِ (TVAFKN) الذي حلّ محلّ الإذاعة عام 1957، ب19 قناة تبث كلها من قاعدة يانغ سان.
2- الحرب الباردة (1945-1989):
ننتقل إلى الحرب الباردة التي ارتبطت بمفهوم حرب الافكار وعلاقة الاتصالات بالتنمية في العالم الثالث الذي كان مجال الصراع بين القوتين العظميين وتحديدا في منطققة الشرق الاوسط.
فما ان انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، حتى حُلّت وكالات إعلام الحرب، وتحولت وكالة الاجهزة الستراتيجية (OSS) إلى وكالة جديدة هي السي اي ايه(CIA) ووكالة إعلام الحرب (OWI) إلى وكالة البث الاذاعي الدولي (RDI) كما مُنِحَ الباحثون العاملون فيها والذين ذكرناهم أعلاه استراحة محارب بسيطة، ليعودوا عام 1947 إلى العمل على بلورة ستراتيجية جديدة لإعلام الحرب الباردة، أطلقوا عليها عنوان “حرب الافكار” [5] ضد الاتحاد السوفييتي.
وإذ نركز في هذه الستراتيجية على الجانب المتعلق بالشرق الاوسط والعالم العربي، فلأنّ الولايات المتحدة اعتبرت هذه المنطقة منطقة مفصلية في صراعها مع موسكو، واعتبرت أنّ على وسائل الإعلام أن تُساهم في الحاقِه بالمعسكر الاميركي.لان الحرب الباردة، أحلّت وسائل الإعلام محل القوّاتِ المُسلحةِ موكِلةً إليها (أي إلى الميديا) مُهِمّة الهُجومِ في حينِ تَركَ للأولى مهمّةَ الردع.
3- النظام العالمي الجديد ومجتمع الاتصالات (1990):
“بين 1989-1991 انتهى القرن العشرين قبل نهايته الفعليّة بعشر سنوات، حيث أكدت استقالة غورباتشوف في 25 ديسمبر 1991 نهاية الشيوعيّة، تلك النهاية التي كان قد أعلنها قبل سنتين سقوط جدار برلين، غيّر العالم اتّجاهه، وكذلك في الوقت نفسه، على ما يبدو، وسائل الإعلام”[6].
العالم انتقل إلى النظام العالمي الجديد القائم على العولمةِ والتي تعني بدورِها هيمنة إقتصاد السوق والأحاديّة الأميريكيّة ومُجتمع الاتصالات، ممرات الاتصالات (les carrefours de la communication) التي نادى بها ال غور مرشح الرئاسة الاميركية عام 1992. يقول بريجنسكي: “بعد عصر المدفعيّة وعصر التجارة والمال تمثل تقنيّات و شبكات الاتصال الجيل الثالث من وسائل الهيمنة على العالم”[7].
هذه الهيمنة التي لا تقتصر على السياسي وانما تتقدمه بالسيطرة على الاقتصادي، حيث ان اساس العولمة هو اقتصاد السوق، الذي يقوم على الخصخصة والاستهلاك، ومن هنا تحتل فيه الميديا دوراً اساسيا في تسويق منظومة قيم الاستهلاك من جهة، سواء بواسطة تقنيّاتها فحسب أم بدراسة اقتران تأثير هذه التقنيات بالسياق الاجتماعي والسياسي. حيث يعتبر أصحاب نظريّة الحتميّة أو المحدّد التقنيّ (Détermination Technique) أنّ النظريّة التحديثيّة ونظريّة الانتشار مرتبطتان بالتجديد التكنولوجي الذي يتكفّل بإحداث التأثير الحداثي في الدول التقليديّة، هذا التأثير الذي يرونَهُ مُرادفاً للحريّة ولذلك يَرونَ أنّ دَور الدولة “يجب أن يقتصر على تأمين البيئة المناسبة لانتشار التكنولوجيا، وإزالةِ مُعوّقات الاستثمار وتحرير المنافسة”[8]. في حين يرى علماء آخرون كدومينيك والتون أنّ التقنيّات والتلقّي “هي موسومةٌ نسبيّاً بالسياق التاريخي للمجتمع المعني، وأنها ليست مرادفة للحريّة”[9]. أمّا أصحاب نظريّة المحدد الإجتماعيّ (Détermination Sosciale ) مثل فرانسيس بال فيُعيدون الإعتبار إلى دور العلاقات الاجتماعية، العلاقات الدولية، والسياقات الاقتصاديّة والثقافيّة التي تقف وراءها. مُعتبرين أنّ التكنولوجيا هي نتيجةُ بُنيةٍ اجتماعيّة تقنيّة. ومن هُنا على المُنظّرين في المؤثّرات التقنيّة أن يأخُذوا باعتبارهم طبيعة السلوكيّات الاجتماعيّة السائِدة والموروثة وطريقةَ الاستحواذ والاستعمال وأقلمة المُنتج التقني. وسواءَ تركّز التأثير في نشر التكنولوجيا أو في نشرها وتوظيف استعمالها وما تحملهُ من مضمون وِفق السياق الاجتماعي، فإنّهُ مُصمّمٌ بحيثُ يصبّ في خدمةِ الستراتيجيّات الاقتصاديّة والسياسيّة للعولمة.
كذلك تندرجُ مُلكيّةُ وسائل الاتّصال الخاصّة في الإطارِ العولمي القائمِ على سيادة الشركات مُتعدّدة الجنسيات التي وصفها إينياسيو رامونييه ب”سادة العالم الجُدد”[10] والتي اعتبرها هيربرت تشيلر إعادةُ إنتاجٍ للهيمنة الإمبرياليّة: “لم تمت الإمبريالية الأميريكية، لكنّها لم تعد تصف بشكل مُناسب الحالة الثقافية العولميّة، لقد أصبح من المفيد أكثر، اليوم، أن نعتبر أنّ الثقافة العابرة للحدود الوطنيّة هي القوة الرئيسية (Transnational corporate culture)”. وهي ثقافةٌ أشبه بسَلَطَةٍ مرويّة ب”صالصة الأسلوب العملي الأميريكي في مجال الميديا… حيثُ أنّ وسائل الاتصال العولميّة التي أصبحت مُتعدّدة الجنسيّات، ورأسماليّة عابرة للحدود الوطنيّة، لم تفقد شيئاً من قوّة إشعاعها الأيديولوجي. كما أنّ تأثيرها على المستوى الدولي لم يكن يوماً على هذا القدر من القوة، خاصة مع انتصار الثقافة التجارية والقيم الإعلامية الأميريكية، فيما كان يُشكل سابقاً دائرة الهيمنة السوفييتيّة”[11]. بحيثُ تتوزّع الملكيّةُ الخاصّة لوسائل الإتصال هذه على دوائر تتشكّل وفق التصنيف التراتبي الذي وضعه إدوارد س. هيرمان وروبرت و. ماكشيسني للمؤسسات التي تسيطر “على هذا النظام العولمي لوسائل الإعلام التجارية”. حيث يوزّعانها على “ثلاثةِ دوائرٍ مختلفةٍ تنتظِمُ في تراتبيّةٍ دقيقة، لكنّها تتّصل إحداها بالأخرى عبرَ عددٍ مِنَ الشركاتِ المختلطةِ والأحلافِ التي تؤدّي إلى ولادةِ كارتل عولمي حقيقي لوسائلِ الإعلام”[12]..
- “المجموعات العولميّة الحقيقيّة…التي إن لم تكن كلّها أميريكيّة بالضرورة، فإنّ لها جميعاً مراكز قويّة في الولايات المتّحدة الأميريكية”.
- “ثلاثة عشر من وسائل الإعلام الهمّة جدّاً…التي تتدخّل على ساحة السوق الإقليمية أو على بعض قطاعات النظام العولمي للزبائن المُفضّلين لدى شركات الدائرة الأولى، الحريصة على اختراق الأسواق الإقليميّة”.
- “مئات الشركات النافذة التي تسيطر على الأسواق الداخلية… والتي تقدّم خدمات لشركات الدائرتين الأوليين”[13]
فعمليّات البيع، فرض الفورمات، قواعد الإنتاج التلفزيوني، الشركات الإقليميّة والمحلّيّة المتفرّعة عن المتعدد الجنسيّات التي ترتبط بدورها بالولايات المتّحدة الأميريكيّة، هي كلّها عناصر تؤكّد الهيمنة الأميريكية على الإقتصاد كما على الأفكار. حيث تشكّل هذه الهيمنة الثانية الشرط الضروري لبقاء الاولى وتشكلان معا شرط بقاء الهيمنة السياسية .
في سياق السوق السائد يتماهى الممسكون بالسلطات السياسية والأمنية مع رجال الأعمال؛ (جورج بوش الأب، مدير الCIA وتاجر بترول في تكساس، تشيني نائب رئيس ومالك لهاري بورتر وقس على ذلك…) إذن “وبما أن التجارة لا تعرف حدود الوطنية، وبما أن المُصنّع يريد العالم سوقاً مفتوحة أمامه… فإنّ أبوابَ الأممِ التي تبقى مُغلقةً أمامهُ يجبُ أنْ تُكسَر… كما يتوجّب حماية التنازلات التي يحصل عليها المُموِّلون بواسطةِ وزاراتِ الدولةِ حتى ولو اقتضى الأمر انتهاك سيادة الأمم الرافضة”.[14] وهُنا يتداخلُ دور الإعلام مع دور الاقتصاد والسياسة، والقوّة العسكريّة إذا ما اقتضى الأمر.
ثانياً: النظام الإقليمي الجديد والفضائيّات العربيّة (نموذجاً لتقاطع السياسي بالإعلامي)
1- المرحلة الاولى: نشوء الفضائيات يترجم التنافس المصري – السعودي على زعامة العالم العربي عام 1990
خلال المؤتمر الذي عقد في باريس حول الأمن والتعاون، لإبرام نهاية يالطا وذلك في 22 نوفمبر 1990 أعلن الرئيس الاميركي بوش الأب: “لقد انتهت الحرب الباردة” أي المواجهة بين الشرق والغرب. بعد ذلك بشهر واحد، في أول أكتوبر 1990 ألقى خطبة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حول أزمة الخليج تحدث فيها عن “السنوات الماضية” وعن “عصر جديد” وصفه ب “الأمن والتعاون والحرية”.[15]
بعد ذلك بثلاثة أشهر، في 15 يناير 1991، اندلعت المواجهة على حدود العراق، ” حرب دارت أمام كاميرات التلفزيون كما دارت على الأرض، ومثلها مؤتمر مدريد الذي نتج عنه”[16]. وبحسب تعبير جان بيير شوفينمان فإن “حرب الخليج قد ساهمت في إرساء وتمتين الحدود (أسوار لامبراطورية) ” Limes ” وما أن انتهت حتى استقر نظام عالمي جديد حدده الشمال”.[17]
1- مبادرة مصرية تترجم محاولة استعادة دور المركز.
في شهرِ يناير نفسِهِ انطلقت الفضائيّة العربيّة الأولى: الفضائيّة المصريّة، بحجة رسمية هي مواجهة دعاية الحرب التي يشنها العراق ، وتأثيرها على القوات المصرية والعربيّة المُتمركزة في العربية السعودية في إطار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. والواقع انها جاءت ضمن محاولة مصر استعادة دور المركز في العالم العربي. دور كانت تحتله مع ناصر الثوري والقومي على راس معسكر المواجهة العربي، سياسيا وإعلاميا، وفقدته اثر معاهدة كامب ديفيد على الصعيدين، حيث كان اول قرار اتخذته قمة بغداد بعد المعاهدة هي طرد مصر من عربسات. والان تريد أن تستعيده “في إطار الاعتدال” مع النظام العالمي الجديد. كانت سياسة مبارك تهدف إلى “إعادة إدماج مصر في العالم العربي مع الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة”[18] وذاك ما تسمح له به الأهمية الاستراتيجية لمصر. كان يريد أن يبرهن على أن “موقعه في الآلية العسكرية والسياسية الأميركية في المنطقة هو موقع غير قابل للاستبدال”[19]وذلك للإفادة من المساعدات الاقتصادية ومن شطب الديون (ديون بلغت 44 مليار دولار).
النظام العالمي الجديد يتجسد في حاجة الامبراطورية للهيمنة على العالم العربي مما لا يتحقق بدون مساعدة مصر. الجيش المصري يتدرب مع قوة التدخل السريع الأميركية منذ سنوات، و”التهديد الإيراني لدول الخليج يجعل مصر تبدو وكأنها البديل المحتمل في حال انهيار العراق” [20] اما على الصعيد الدبلوماسي فقد كان الأميركيون يريدون منع حصول حل سياسي لأزمة الخليج، ووحده قرار صادر عن الجامعة العربية يمكن أن يبرر تحالف أطراف عربية مع الأميركيين ضد العراق.[21] لذلك عمد الرئيس مبارك في مؤتمر القمة الذي عقد في 10 آب 1990 إلى “منع كل مناقشة لأساس المشكلة وفرض التصويت على إرسال جيوش عربية إلى العربية السعودية تحت راية الأميركيين”[22].
مع اندلاع الحرب الدبلوماسية ومن ثم العسكرية اندلعت الحرب الإعلامية بشكل أعنف. صحيح ان عناصر دعاية الحرب كانت في يد العراق: فالشوارع العربية تشتعل حتى في الدول المتحالفة مع الاميركيين، أما منطق القانون الدولي فإنه يصطدم مباشرة في ذهن المواطن العربي بتاريخ الصراع مع إسرائيل وبإحساس “العداء للغرب الناجم عن مواجهة طويلة مع إسرائيل التي يعتبرها قاعدة متقدمة لهذا الغرب”[23] وعن دعم هذا الغرب للأنظمة الأقل شعبية والاكثر قمعية. في حين أن منطق المساعدات المالية لا يكفي للإقناع لأنه يصطدم بدوره بإحساس الكرامة الوطنية من جهة وبحسابات واعية لدى البعض: إن تكاليف الحرب التي ستتحملها الدول الخليجية النفطية ستتجاوز بكثير مبالغ المساعدات وقيمة الدين العربي.
كذلك يصب في خدمة دعاية الحرب الحس القومي، الكبت الذي يستشعره فقراء العرب إزاء اثريائهم، والأحساس الديني الذي أهين بوجود الجنود الأميركيين على أرض السعودية، قرب مكة والمدينة. مما جعل “صدام حسين البعثي العلماني يتحول فجأة إلى مدافع متشدد عن أماكن الإسلام المقدسة”[24].
غير أنّ تخلف العراق عن إنشاء قوة إعلامية حقيقية قد قلص من فرص الإفادة من كل هذه العناصر. كما جعل مصر ومن ثم السعودية والدول المندرجة في اطار العولمة والهيمنة الاميركية تتلقف الاندراج في مجتمع الاتصالات، وتهيمن على الجمهور العربي.
- الستراتيجية الإعلامية المصرية سبقت ازمة وحرب الخليج وتطورت بعدها:
- “قبل الأزمة بقليل وضعت الحكومة المصرية قانوناً يسمح باستيراد اللواقط. في حين بدأت مصانع محلية في العربية السعودية وفي سائر دول الخليج بتصنيع لواقط تنافس الماركات المستوردة”.[25]
- بعدها دخل التلفزيون المصري في اتحاد الإذاعة والتفزيون (ERTU)
- في حزيران، اي قبل شهر تقريبا من غزوالكويت، 1990 قبل شهر واحد من غزو الكويت وافقت سلطة الاستثمار المصرية على تشكيل (CNE) المكلفة بإعادة بث الـN.N كما طرحت فكرة إجازة البث المباشر.
في 13 ديسمبر 1990 أطلق التلفزيون المصري السبيس نت المصرية (ESN). وذلك قبل شهر من إندلاع “عاصفة الصحراء”. “بدأ هذا البث ب13 ساعة يومياً على قناتين محليتين”[26] والملفت أن البحرين والإمارات قد قررتا إعادة بث برامج القناة المصرية على قنواتهما المحلية كما كان التقاط هذا البث ممكناً للمواطنين السعوديين عبر خدمات أقمار البث التي أنشأت في المملكة بحجة كون القوات المصرية تشكل الحامية الرئيسية في الجيوش العربية المشاركة في التحالف.[27] وما أن انتهت الحرب حتى اشترت الفضائية المصرية موقعاً في القمر الصناعي الأوروبي (EUTEL SAT 2 F3) وبذلك استطاعت أن تصل بسهولة إلى جمهور العالم العربي كله. مما يعني تاثيرا مباشرا على شعوب الخليج اشار اليه في حينه، الباحث عبدالله شليفر، وعلى النفوذ السعودي في المنطقة مما لا يمكن الا وان يقلق المملكة التي تُصِرُّ على احتلال الموقع الأول في النظام الإقليمي الجديد. بعد أن شطبت منه بغداد في حين أن دمشق لا تمتلك القدرة على دخوله. هكذا جاء الرد المتمثل في الاجتياح الإعلامي السعودي الذي لم تكن MBC إلا نقطة البداية والإنطلاق فيه.
وقد دلت دراسة على الجمهور أجراها الباحث الجزائري بن قاسم مصطفاوي، لتصنيف تلقي القنوات التي تبث على القمر الصناعي الأوروبي، على أن الفضائية المصرية تأتي على رأس المحطات الرسمية كما تأتي فضائيات العائلة المالكة السعودية على رأس الفضائيات التجارية.[28] ويلحظ الباحث أن المغاربة والتوانسة إنما يتابعون أخبار الحرب الاهلية في الجزائر بواسطة التلفزيون الفرنسي والمحطتين العربيتين “MBC والفضائية المصرية”.[29]
3- الرد السعودي، إنشاء الـ MBC والباقات الفضائية: فصل تأسيسي في الإمبراطورية التلفزيونية:
في أول سبتمبر 1991 أطلقت من لندن الفضائية السعودية الخاصة الأولى. MBC (Middle East Broadcasting Center). “MBC هي الطبعة العربية لمحطة أميركية أو أوروبية تجارية” كما حددها مديرها العام عند اطلاقها إيان ريتشي.[30] إذن: خصخصة، تجارية، واندماج في صلب النظام العولمي.
ومن الملاحظ أنّ ريتشي يحرص على أن يؤكد على أن MBC “قد استطاعت أن تحقق تقدماً في المنافسة مع المحطة الوطنية المصرية (الفضائية المصرية) ومع المنافستين الاخريين الـART و Orbit”، مما يحدد طبيعة المنافسات. ملكيتها تعود للمجموعة العالمية Holding Company وهي شركة متمركزة في الولايات المتحدة الأميركية، في بريطانيا، وفي العربية السعودية. في عام 1992 اشترت هذه الشركة شركة أخرى هي United Press International (UPI) ومن ثم طورت أنشطة هذه الوكالة في المغرب العربي، في الشرق الأوسط وفي آسيا مما يلتقي مع مصالح الMBC.
في عام 1994 انطلقت فضائية سعودية جديدة تحت اسم راديو وتلفزيون العرب (ART) وذلك من تلسبازيو سنتر إن فوسيني شرق روما وكانت تبث على عربسات. “العربية السعودية هي المساهم الرئيسي في هذا القمر الصناعي الذي أطلق عام 1985 حيث تملك ثلثي رأس المال” وقد وضعت هذه الميزة في تصرف الـMBC عامي 1992 و 1993، ضد الفضائية المصرية، ومن ثم في خدمة الـART”.[31] بعدها جاءت ال Orbit (Orbit satellite and radio television network) التي تحدد نفسها على لسان مديرها العام “مختارات واسعة من برامج التسلية والبرامج الإخبارية ذات المستوى العالمي باللغتين الإنجليزية والعربية تقدم لجمهور متعطش لمجال أكبر من تنوع البرامج” جمهور يحدد بدوره على أنّه “النخبة الكوزموبوليتية في الخليج العربي”.[32] بالمقارنة بين هذه القنوات نكتشف العوامل الثقافية، الاقتصادية، والإعلامية التي تفسر إنشاء وبرمجة وملكية هذه المجموعات. ونتلمس التماهي بين الشركات العولمية وراس المال العربي الخاص، المتماهي بدوره مع السلطة السياسية واهدافها كون المالكين هم امراء الأسرة المالكة السعودية.
لذا فان الاهداف تعدو كونها تجارية، إلى تحقيق اهداف سياسية تتمثل في تثبيت موقع المملكة في العالمين العربي والإسلامي، بالدرجة الاولى، وتثبيت مواقع قوة معينة داخل الاسرة الحاكمة نفسها. “إن فكرة ظهور إمبراطوريّة إعلامية تبث من أوروبّا، ويمتلكها سعوديين هي “مشروع أيديولوجي يمضي إلى ما هو أبعد من الإستثمار الإقتصادي”. مشروع يهدف في جزء منه إلى نشر الرؤية السعودية في العالم العربي ولدى جمهور المتلقين باللغة العربية في الدول الأخرى. وتصب ثلاث أنواع من الميّزات في مصلحة هذا الإنتشار.
- ميزات سياسية- اجتماعية:
- تتمتّع المملكة بالنسبة لدول الخليج الأخرى بتفوّق ديموغرافي، برقعة جغرافيّة، ممّا يجعل منها الدولة الوحيدة في الخليج التي تمتلك فعليّاً عناصر الدولة كما تمتلك بالتالي سوقاً وجمهوراً حقيقياً.
- كذلك تتمتع بمشروعيّة خاصّة بها غير قابلة للنقاش: المشروعيّة الإسلاميّة، فمنذ الملك فيصل حاولت المملكة، وعبر منظّمة المؤتمر الإسلامي، أن ترسم خطاً مُوازياً لخطّ القومية العربية، تستطيع أن تؤمّن فيه دور زعامة لا ينازعها فيه أحد.
- أخيراً تستفيد من التحالف مع الولايات المـتّحدة، هذا التحالف الذي يعود إلى المرحلة الإستعماريّة عندما كانت كل الأخريات محميّات بريطانيّة، ولم يكن من شأن الحربين: الحرب الباردة وحرب الخليج، إلّا أن تدعم هذا التحالف ومن ثمّ جاء اختفاء العراق كقوّة إقليميّة، إفقار مصر، والمأزق الذي تعيش فيه سوريا، إضافة إلى سيادة سياسة السوق، لتشكّل عوامل تؤكّد أكثر فـأكثر الدور السعودي.
هكذا كانت الفضائيّات وسيلة لترويج هذا الدور ممّا يفسر توزع جدول البرامج بين برامج التسلية المستعارة من الفورمات الغربية الأكثر تحرراً وبين البرامج الدينيّة الأكثر تشدّداً. في حين تُترك مساحة محددة للسياسة في غياب برامج الجدل الأيديولوجي والفكري المُعمّقين.
- ميزات اقتصاديّة:
يظلّ التلفزيون بشكل خاص، وبالطريقة التي يريدها المُستثمرون السعوديّون: مُشفّرة، مدفوعاً، غني بامتياز، عملية مرادفة للإنفاق المالي “فوحدهم الذين يستطيعون أن يستندوا إلى دعم مباشر من حكومة ما، يستطيعون الصمود والنجاح في السوق السمعي-البصري”[33] يكتب جون التيرمان. ولا يمكن أن يؤمّن هذا الدعم الذي تحتاجه المجموعات المُكلّفة إلا حكومات تمتلك إمكانيّات استثنائيّة من التمويل والإستثمار. وإذا ما وثّقنا بالأرقام التي قدّمها الفيلم الوثائقي الشهير لمايكل مور (فهرنهايت 9/11)، فإنّ الإستثمارات السعوديّة في الولايات المُتّحدة وحدها تبلغ 7% من استثمارات الدولة العُظمى.
- أخيراً تأتي الميّزة الثالثة ذات الطابع الإعلامي:
هنا يختلط السياسي بالإجتماعي، بالسيكولوجي والإنتروبولوجي. فالعالم العربي يفتقد الحريّة على كلّ الأصعدة والتلفزيونات المحليّة الحكومية تفتقد إلى المصداقيّة وإلى المهنيّة ممّا لا يجعلها قادرة على الإستجابة لتعطّش جمهور يريد الخبر والجدل والمُتعة. أمّا وسائل الإعلام الغربية فإنّ “تدخّلها في الجدل السياسي القائم في المنطقة يندرج ضمن علاقة جذب ورفض معاً”[34] جذب يعود إلى المستوى التقني والمهني، ورفض يعود إلى إلى قدرة المُتلقّي على كشف زيف ادّعاء الموضوعيّة فيما يتعلّق بقضايا المنطقة. ممّا يجعل هذا الكشف “يُعيد الثقة إلى الصحفيين العرب”[35].
وهكذا فإنّ من شان محطات عربية تدعي انها خاصة وتُبثّ من الخارج وكأنّها مُستقلّة عن الحكومات وتتمتّع الوقت ذاته بالمُستوى التقني والمهني، تكون الاكثر قبولا وتكون الأفضل لتمرير الرسالة المُرادة، خاصّة وأنّ الجمهور العريض ليس بقادر على إخضاع كلّ المُعطيات للتحليل. كما أنّه من جهة أخرى متواطئ إلى حدّ مّا، ذاك أنّ الإحباط، الكبت، اليأس، القمع والوضع الإقتصادي قد جعلته بحاجة إلى أن ينسى أو أن يُصدّق.
أخيراً تُشكّل الدياسبورة العربية في المهجر حقلاً خصباً لنجاح الفضائيّات العربية وبالتالي لترويج دور المملكة ووجهة نظرها. حيث أنّ الحنين إلى الوطن، والحاجة إلى تأكيد الذات في سياق غريب تأكيد بواسطة الهويّة الدينيّة في حال العجز عن ذلك بواسطة الهوية الوطنية، كلّها تدفع هؤلاء المهاجرين إلى التعلّق بقناة الإتصال الجديدة مع الأوطان وثقافته. في حين يأتي منطق صراع الحضارات الجديد ليعزّز من هذا المنطلق.
واذا كان تاكيد زعامة المملكة في العالم العربي يفسر نشوء الامبراطورية الإعلامية فان حرص الامراء السديريين السبعة[36] الذين هيمنوا على مواقع النفوذ منذ منذ اغتيال الملك فيصل عام 1979، ووعيهم المبكر لاهمية الإعلام في تثبيت السلطة السياسية، يفسر تركز معظم هذه الامبراطورية في يدهم منذ اسس هشام ومحمد علي حافظ الذين أنشآ في لندن “بدعم الأمير أحمد بن سلمان” الشركة السعوديّة للأبحاث والنشر، ناشرة الشرق الأوسط، المجلة، سيدتي وغيرها. بعدها اشترى الأمير خالد بن سلطان عام 1991 جريدة الحياة اللبنانيّة التي أسسها كامل المروّه في لبنان عام 1946. ليأتي الإنتقال إلى السمعيّ البصري “كما رأينا” بدعم الأمير عبدالعزيز بن فهد (MBC ) والأمير خالد بن عبدالله بن عبدالرحمن (Orbit)، وكلاهما سُديريّان. أمّا الأمير الوحيد من خارج المجموعة السُّديريّة، والذي استثمر في الميديا، هو الوليد بن طلال الذي لا يملك طموحات سياسيّة بل يسعى إلى امتلاك معاقل اقتصاديّة تجعله حليفاً قويّاً لوليّ العهد.
وهذا ما يفسر ايضا ان اوربت هي اول من اتخذ قرار الانتقال إلى الفضائيات الاخبارية، وإذ انتهت هذه المحاولة بالفشل عام 1997 انتقلت المحاولة إلى الامير خالد بن سلطان عام 2003، غير انها اوقفت لصالح انشاء (MBC) لمحطة العربية عام 2003. وهنا دخل الإعلام السعودي مرحلة جديدة من المنافسة داخل مجلس التعاون وعلى الصعيد الاقليمي.
2- المرحلة الثانية: التوازن داخل مجلس التعاون الخليجي، وفي الاقليم، يحكم تطورات المشهد الإعلامي الفضائي.
لفهم التداعيات الإعلامية التي ادت إلى بروز القنوات الخليجية المتعددة لا بد من فهم التشابك الجيوبوليتيكي لمكونات ودول الخليج العربي.
في نهاية الحرب العالمية الثانية وحسب معاهدة الحماية الموقعة عام 1916 سيطر البريطانيون على الجزيرة العربية باستثناء العربية السعودية المحمية من أمريكا.ما جعل الجزيرة العربية مجال منافسة بين الكبيرين الأنغلوساكسون.
وفي حين حافظ الاميركيون على وحدة السعودية قسم البريطانيون محمياتهم على قاعدتين قبلية ونفطية.حيث أوكلوا للقبائل الصديقة، المناطق التي سيطروا عليها. كما رسموا الحدود بناء على خريطة الحقول النفطية المكتشفة أو المتوقعة. لذا بقيت الحدود مطاطة،غامضة،متنازع عليها خصوصا أننا نتحدث عن صحراء لا حدود جغرافية وطوبوغرافية فيها وعن شبه جزيرة تشكل في واقع الامر وحدة جغرافية. هكذا شكلت الخلافات والصراعات القبلية تاريخ هذا المجتمعات.وساهم وجود الشركات النفطية الأجنبية الكبرى والمتنافسة فيما بينها في تعزيز هذه الصراعات واستغلالها واللعب عليها. بحيث انها كثيرا ما تحولت إلى مواجهات عسكرية ذات دلالة.
خلافات لم تنج منها دولتان متجاورتان، ولكننا نركز هنا على نزاع السعودية مع كل من الامارات وقطر لتفسير جانب من اسابا نشوء الجزيرة وابو ظبي الفضائية.
كان إنشاء كونفدرالية الإمارات العربية المتحدة بتشجيع من البريطانيين يهدف إلى إقامة توازن مع العربية السعوديّة، وعند ترسيم الحدود ظل النزاع قائما حول حقل البريمي النفطي، وقد وصل هذا النزاع إلى المواجهة العسكرية عندما دعمت السعودية دخول شركة ارامكو للتنقيب في الحقل لحسابها. كما استمرّت هذه المنافسة داخل مجلس التعاون الخليجي، حيث يحتلّ الإتحاد الموقع الثالث بعد سلطنة عُمان، موقع لا يبدو حلم تغييره صعباً أمام طموحات الشيخ زايد، خاصّة مع نموّ ثروات الإتحاد.
الأمر نفسه حصل مع قطر في العام 1949 عندما دعمت السعودية شركة أرامكو الأميركية للتنقيب في منطقة ( الظفرة) جنوب شرقي قطر ولم يتوقف التنقيب إلا بعد تدخل عسكري بريطاني، دون ان يتخلى السعوديون عن إعلان ملكيتهم للمنطقة التي يدعون أنها احتلت منذ مائة عام[37] مستندين في ذلك لاتفاق عام 1915 ومعتمدين على ولاء بعض القبائل التي تسكن المنطقة. كذلك لم تتوقف الرياض عن المطالبة بحقل (الخفوس) النفطي القطري مستغلة التواصل القبلي بين البلدين وانتشار المذهب الوهابي في قطر والخلافات الداخلية.
في هذا المناخ حصل اجتياح العراق للكويت، وبرزت نتيجته اربعة ثلاثة عوامل: اضطرار واشنطن إلى اطلاق يد سوريا في لبنان لحاجتها لدمشق في حربها ضد العراق، وبدرجة اكبر حاجتها للمملكة العربية السعودية للانطلاق في هذه الحرب التي يتحدد بها ارساء النظام العالمي الجديد وتمركز الامبراطورية، وكذلك إمكانية امتداد النفوذ الايراني اذا ماسقط نظام صدام حسين، عوامل لم يكن لها الا وأن تجعل كل الجيران الصغار( الميكرو) يخافون من ان تسري العدوى إلى الجيران الكبار المذكورين.
مخاوف لم تلبث ان تحولت إلى واقع.اذ لم تكد معارك عاصفة الصحراء تتوقف حتى هاجمت السعودية مركز (الخفوس) الحدودي عام 1992فدمرته وقتلت جنديين قطريين وطردت الآخرين.[38]
1- قطر – الجزيرة: الوجود عبر الإعلام.
يقول محمد جاسم العلي مؤسس الجزيرة: ” لقد كشف لنا الهجوم على الخفوس أن الصوت الوحيد المسموع داخل مجلس التعاون الخليجي هو الصوت السعودي أما الآخرين فهم على الهامش باستثناء عمان التي لا تريد الانخراط في الصراعات. والأمر الثاني المفاجئ كان في الإعلام حيث لم يقبل أحد روايتنا، سواء كان إعلاما عربيا أم غربيا فالجميع كان يردد الرواية السعودية. بعدها جاءت حرب اليمن التي ساندت خلالها السعودية الانفصاليين الشيوعيين في الجنوب ونحن ساندنا حكومة الشمال ووحدة البلد. تحليلنا هو ان السعودية لا تريد بلدا قويا في الخليج. لقد رأينا التهديد ولم يكن لدينا تأثير لا في مجلس التعاون الخليجي ولا في الفضاء الإعلامي. لقد كان الإعلام عجزنا الكبير”[39]، يختم محمد جاسم العلي.
من هنا لجات المحمية إلى الحل الوقائي، شكل جديد من الحماية هو الالتحاق غير المشروط بالنظام العالمي الجديد ومتطلباته. وهذا ما لا يستطيعه حكم الشيخ خليفة الاب. لذا يقوم ولي العهد الشيخ حمد بن خليفة بمساعدة قريبه حمد بن جاسم الملحق العسكري في سفارة قطر في واشنطن بانقلاب ناجح على والده بتاريخ 27 حزيران عام 1994 اي بعد سنتين من حرب الخليج عام 1991 وشهرين من حوادث الخفوس.
الحكم الجديد يسعى إلى تاكيد نهجه الجديد باستضافة اكبر قواعد عسكرية أميركية في المنطقة. ففي العام 2002 انتقل مركز القيادة العامة للمنطقة الوسطى (.CENTCOM) الأميركي من (تامبا في فلوريدا) إلى قاعدتي السيلية والعديد في قطر، التي استعملت جزئيا في حرب أفغانستان عام 2001 ثم قاد منها الجنرال (تومي فرانك) الحرب على العراق عام 2003 بعد أن نفذ أعمالا إنشائية جعلت من مدرجها احد اكبر مدرجات العالم[40].بعد احتلال العراق، عام 2004، تم توقيع اتفاق الدفاع المشترك [41].” لقد قرر الأمير تحمل نتائج خياره في التحالف مع الولايات المتحدة” بحسب ما قاله في كلمته المعلنة قبل أيام من حرب العراق حيث شرح لشعبه “الضمانة التي تشكلها الولايات المتحدة لامن قطر”[42]. مؤشرا إلى التهديد السعودي.
يشكل هذا التطور تغير النظام النظام الإقليمي الخليجي الذي كانت تقوده، حتى ذلك التاريخ، المملكة الوهابية وحدها، وهو تطور يجد تفسيره في تقاطع المصالح والضغوط بين البلدان الثلاثة: السعودية لم يعد باستطاعتهم تحمل الوجود الأميركي بجوار الأماكن المقدسة للإسلام، خاصة وان اعمال العنف التي يقوم بها الجهاديون تجبر النظام السعودي على الانكفاء نحوالأمن الداخلي، علما بان بقاء القوات الاميركية يعزز هذه المجموعات وعنفها. الولايات المتحدة الاميركية لا تريد وصول الحالة السعودية إلى الانفجار ولا تريد، في الوقت نفسه، أن تصبح قواعدها وجنودها عرضة لهجمات الجهاديين والمعارضين السعوديين. اخيرا قطر التي تجد في اجتماع هذه المصالح فرصتها لإثبات نفسها في مجلس التعاون الخليجي في مواجهة السعودية، بالتالي على الساحة العربية وفي العالم. وهكذا يستقر الاميركيون في الإمارة ،ويسيطر حضورهم أكثر فأكثر على المشهد ويتحكم بالاقوال والافعال وطبيعة التعامل مع الدول الاخرى[43].
تلبية مطالب العولمة الاميركية لا تقتصر على القواعد العسكرية، فلا بد من اجراء إصلاحات سياسية واقتصادية. خاصة بعد ان جعل الاميركيون من ذلك احدى ذرائعه حربهم على العراق عام وحصاره. وهكذا كان بامكان أمير ذكي أن يفهم ان ما هو مطلوب منه هوالقيام بإصلاحات تغطي الادعاء الاميركي، ولا يكون من شانها احداث تغيير جذري يؤدي إلى تغيير نظامه، شرط أن يبقى ملحقا بالمشروع الأميركي. هذه الإصلاحات تبدا بالخصخصة، فتح الأسواق، احترام قوانين السوق، الاستهلاك، تقديم بعض أشكال الانفتاح والتطور، وتقف عند حدود الشكل دون المس بالتغيير الحقيقي الذي يطال الحريات العامة، الحوار الحر في الفضاء العام، الحياة السياسية (الأحزاب)، مفهوم المواطنة، تداول السلطة، الوراثة.
من هذه القرارات مرسوم أميري صدر في 6 شباط عام 1996 بحل وزارة الإعلام فاسحا المجال أمام إنشاء قناة الجزيرة وسمح أيضا بخصخصة الصحافة المكتوبة.[44]
في كتاب نشر في الذكرى العاشرة على إنشاء قناة الجزيرة يتساءل محمد حسنين هيكل عن سر الجزيرة، القناة التابعة لبلد لا يملك أي عامل من العوامل التي تشكل، في العادة، قوة الإعلام. ويقصد هيكل الافتقار إلى العوامل التي تشكل عناصر السيادة الوطنية. من هنا تبدا المقاربة خارج المعايير التقليدية، حيث ان الافتقار إلى هذه العناصر دفع الشيخ حمد إلى تطوير ما يسمى “سياسة الصورة” بشكل حديث وفعال. وهل افضل من قناة تلفزيونية فضائية لخدمة هذا الهدف؟
لقد تم تامين التمويل عبر المصالحة بين الأب والابن. أما كفاءة الفريق المؤسس التي تدين له القناة بنجاحها، فكانت هدية ممتازة قدمها من لندن الخصم السعودي، عندما فسخ العقد بين (أوربيت) وال (بي بي سي) في نيسان عام 1996، بعد شهرين من صدور قانون إنشاء الجزيرة، فتلقف القطريون فريقا مثاليا متكاملا : 140 صحافي وتقني من بينهم 19 من قدامى ال (بي بي سي).
اذا كان نجاح الجزيرة قد ارتبط بعناصر مهنية، فان التطورات الحاسمة في مسيرة هذا النجاح ترتبط بمفاصل سياسية :عملية ثعلب الصحراء عام 1998، تحرير جنوب لبنان و انتفاضة الأقصى عام 2000: 11 سبتمبر وحرب أفغانستان عام 2001:.ه- بثّ فيديوهات بن لادن: و حرب احتلال العراق عام 2003 ثم الحرب الاسرائيلية على لبنان عام 2006.
حيث كان الظهور الحقيقي للقناة في تغطية الحملة العسكرية الأميركية على العراق عام 1998 المسماة ( ثعلب الصحراء). اذ شكلت المصدر الوحيد للخبر خصوصا الصورة. وبذا ظهرت علامة المحطة للمرة على شاشات العالم. وانتقلت القناة التي بدأت البث لمدة ست ساعات عام، 1996 إلى 24/24 ساعة وعلى ثلاثة أقمار صناعية. منذها تميز عملها في العراق خاصة خلال حرب الاحتلال، كما تميز في فلسطين ولبنان وواشنطن ومختلف اعواصم القرار.
بعد احتلال العراق كان من الملفت ان بول بريمر خصّ المحطة باول حديث له كحاكم عسكري للعراق. كما ان خطاب المحطة تحول لياخذ منحى اسلاميا واضحا، دليلا على بدء مرحلة جديدة من توازي عولمتين : عولمة اسلامية مقابل عولمة اميركية. وقد تجلى ذلك في تغطية معارك الفلوجة بشكل خاص على يد المذيع الاخواني احمد منصور، وابراز المقاومة الاسلامية مقابل التعتيم الكامل على اية مقاومة اخرى.الامر نفسه بالنسبة لفلسطين بين حماس والسلطة.
وفي هذا الاطار نفسه جاءت عملية تغيير المدراء، حيث اقيل محمد جاسم العلي من منصبه مديرا عام للقناة، في27 أيار 2003 دون أن يقدم مجلس الإدارة أي أسباب توضيحية.ولم تكن حجة لقائه بصدام حسين وابنه الا واهية لانه فعل ذلك، علناً، كأيِّ صحافيٍ آخر وكموفدٍ قطري. إلى أن جاءت مفاجاة تعيين وضّاح خنفر، أقل صحافيّي القناة خبرة، والمعروف بأنّه إسلامي وبأنّه في الوقت نفسه قريبٌ من الأميركيين.
2- الإمارات العربيّة المتحدة: تطورات فضائية أبو ظبي وامتزاج الخليجي بالإقليمي
إضافةً إلى التحدي الذي ذكرنا أعلاه داخل مجلس التعاون الخليجي، تواجه الامارات تحدياً آخر على المستوى الإقليمي: حيث تحتلّ إيران الجُزر الإماراتيّة الثلاث منذ عهد الشاه (1971م) “وقد استفادت من الفراغ الذي تركه البريطانيون لتؤكّد سلطتها هناك. ففي 30 نوفمبر 1971 احتلّت جزيرتي طُمب الكُبرى وكُمب الصُغرى، بعد أن كان أمير الشارقة الشيخ خالد بن محمد القاسمي قد وافق بضغط من البريطانيين على وضع جزيرة أبو موسى تحت الوصاية الإيرانيّة”[45]، وفي عام 1990 رفعت إيران الخُميني من مستوى وجودها في الجُزُر بحجّة انتشار القوّات الأميريكيّة قريباً من حدودها. فطردت المسؤولين الإداريين الإماراتيين من الجزيرة ووسّعت حاميتها العسكريّة فيها. دون أن يكون الدافع الاستراتيجي بعيداً عن “دافع الانتقام للدعم الذي قدّمته الإمارات للعراق خلال الحرب العراقيّة الإيرانيّة بين 1980-1988”[46].
ورغم أنّ المحللين الاستراتيجيين يستبعدون كليّاً أيّ اعتداءٍ إيراني أو سعودي على الإتحاد، فإن العلاقات تظلّ إشكاليّة خاصّة مع طهران التي يُنظر إليها كتهديد. ممّا يُعزز انشغال حُكّام الإتحاد، المُسلّحين بثرواتهم الإستثنائيّة، بتأكيد موقعهم على الصعيدين العربي والدولي: فعلى الصعيد العربي تبنّى الشيخ زايد بوضوح خِطاباً عُروبيّاً، انعكس على خطاب وسائل إعلامه، ينسجم مع مصالح الدولة: حيث أنّ الخطاب الإنعزالي التجزيئي لا يخدم وحدة دولة فيديراليّة فتيّة، كما أنّ الخطاب الإسلامي يصبّ في صالح الدولتين المُنافستين: إمّا إيران الشيعيّة وإما العربية السعوديّة السنيّة، خاصّة وأنّ سُكّان الإمارات لا يتبعون المذهبين الشيعي والوهّابي.
بدورها فهمت قيادة الإمارات أنّ الحاجة للتحالف مع الأميريكيين تقتضي الإنخراط في العولمة وبالتالي بمجتمع الإتصالات الذي يُساعد الاتحاد على تثبيت موقع بلاده محليّاً، إقليميّاً ودولياً. كما يُساعد على تثبيت قيادة أبوظبي العاصمة وأخيراً، على تثبيت سلطة الأمراء “الفاطميين”[47] داخل الأسرة الحاكمة. ممّا يفرض مجموعة من الخطوات التي تبدو صعبةً على الجيل الكبير من الحكّام. غير أنّ الشيخ زايد يُبدي قدراً كبيراً من المرونة والذّكاء؛ بسرعةٍ يتلقّف المعطيات الجديدة ويباشر إصلاحاتٍ من شأنها أن تُرضي الإمبراطوريّة وتساعده على منافسة حلفائها التقليديين في الخليج. بدءاً باستبدال الدستور المؤقّت لعام 1971 بدستورٍ فيديراليٍ جديد تمّ إقراره عام 1996. وانتقالاً إلى الإنخراط في مجتمع الإتصالات وصُولاً إلى الإعلام الفضائي. تحدٍّ لم يكن صعباً بالنسبة للإمارات التي جمعت القرار إلى الإمكانيّات الماليّة الضخمة. كانت أبوظبي هي الأولى، بين الإمارات، في إطلاق مشروع باقة فضائية، ومن ثمّ تبعتها الإمارات الأخرى: دبي، الشارقة وعجمان، في تنوّعٍ يتمثّلُ في ليبراليّة الأولى ومحافظة الثانية والتزامها العربي الإسلامي؛ وبين الإثنتين تقف العاصمة أبوظبي كمركز وكعامل توازن.
كان تلفزيون الإمارات العربيّة المتّحدة قد بدأ البث بالأبيض والأسود عام 1969، انتقل إلى نظام (PAL) في 4 ديسمبر 1974. ارتبط انتقال المحطة الرياضية من البث الأرضي إلى البث الفضائي بإنشاء مؤسسة الإمارات للميديا تحت إسم (Emirates Media) المحطة الرياضية، تلفزيون الإمارات وتلفزيون أبوظبي. الذي تحول إلى فضائيّة أبوظبي: في 30 يناير عام 2000.لوغو أزرق جديد يدخل ساحة الإعلام الفضائي مُنافساً للإعلام السعودي وللجزيرة.
هنا ايضا لا بد من الالتفات إلى العناصر التي شكلت نجاح فضائية ابو ظبي كمنافسة جدية للإعلامين السعودي والقطري، فهي تكمن في الامكانيات المادية الكبيرة التي رصدت لها وفيما التجهيزات البشرية والتقنية التي استطاعت ان تمتلكها نتيجة ذلك، لكنها تستند ايضا إلى خطاب معين وإلى احداث سياسية محددة.
أوّلها تغطية انتفاضة الأقصى، التي تميزت بالتزام قوي وواضح لصالح الاقضية الاكثر تاثيرا في العالم العربي، بخطاب قومي عروبي واضح، بتركيز على سردية الحياة اليومية للمناضلين وللناس العاديين ومعاناتهم. وتدلل عملية رمزية على تفوق اابو ظبي لدى الجمهور، حيث نظمت قناة أبو ظبي برنامج تبرعات لضحايا الانتفاضة. طيلة يوم كامل وبحضور خمسين شخصية سياسية وأصحاب شهرة. ونجحت بجمع مبلغ 65 مليون دولار. بينما فعلت إم بي سي الشيء نفسه فلم تجمع إلا مليوني دولار. كذلك كانت استطلاعات الراي تدلل باستمرار على صعود اسهم القناة، حيث تمكنت من اكتساب الجمهور الذي كان يجد في الانتفاضة عزاءا كبيرا بعد الاحباط الكبير الذي تركته حرب 1991 ضد العراق.
مما يُسجّل هنا أنّ حماس الإمارات الوطني إزاء فلسطين، المتمثل في خِطاب فضائيتها، لم يكن مُنفصلاً عن الرغبة في عدم ترك الساحة العربية أمام الخط الايراني بعد أن كان الانتصار التاريخي الذي حققته المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله ،على اسرائيل عام 2000، الشاحن الحقيقي لقيام الانتفاضة. وهذا ما يفسر أيضاً بُرود تغطيتها لتحرير جنوب لبنان.
ولبعدها عن الخطاب الاسلامي لم تستطع القناة منافسة الجزيرة في تغطية 11 سبتمبر ومن ثم رسائل بن لادن. غير أنها عوّضت ذلك في تغطيتها للحرب على العراق. يعلق صحفي غربي بالقول( مراسلو قناة أبو ظبي أقل إسلامية وأكثر ليبرالية ولا يربون اللحى، حتى هذا الذي يقدم برنامجا دينيا، وهم يرتدون الزى الغربي. ما يقدم مثالا واضحا على التلاعب أو على الأفكار الموجودة التي على الصحفيين التعامل معها.لكن خطابها القومي، والمعتدل اسلاميا، والذي ادان الارهاب ضد الولايات المتحدة، ولكنهادان ايضا ارهاب الدولة الاسرائيلي، ومخططات احتلال العراق وافغانستان بل وباكستان قبل حصولها، لم يكن ليرضي سادة المرحلة الجديدة بعد 2003. يقول مديرها في حديث لصحيفة (ت ب س) عند استماع المشاهدين هناك نداء ثابت من قبلهم يطلب قناة باللغة الإنكليزية أو لغة أخرى كي يحمل وجهة نظرنا وروايتنا للتاريخ للغرب، وبشكل خاص الولايات المتحدة الأميركية، وهكذا اجتمعت عدة عناصر جيوبوليتيكية ادت إلى الغائها كمحطة إخبارية عربية وتحولها إلى محطة منوعات محلية، بدءا بتغيير مسؤوليها وانتقالا إلى جدول برامجها.
خاصة وان إعلان وفاة الشيخ زايد في 3 تشرين الثاني عام 2004، واشكالات نقل السلطة، اديا إلى تدخلات سعودية وأميركية. وقد فرضت هذه التدخلات على الحكام الجدد أكثر من شرط احدها التغيير الجذري لوضع قناة أبو ظبي. وفي ذلك تقاطع ثلاث إرادات: الاميركيون لا يستسيغون خط القناة ولهجتها العروبيّة، خاصة مع اعلان مسؤوليها عن نيّة افتتاح محطة باللغة الانكليزية، السعوديون لا ينتظرون سوى التخلص من أخ منافس على المستوى الإعلامي والسياسي، والامير الجديد يريد اضعاف المجموعة الفاطمية من اخوته، بتحجيم نفوذهم في مراز قوتهم التقليدية: الدفاع والإعلام. كذلك فان رأس هذه المجموعة ولي العهد الجديد الشيخ محمد، قائد الأركان قريب جداً من أميركا، ويحرص على تلبية كل رغباتها.
وهكذا فان التحول الذ بدا عام 2004 وصل ذروته عام 2007، عندما أصدر رئيس الإمارات العربية المتحدة، أمير أبو ظبي القرار رقم 13 للعام 2007 الذي يحدد “الإمارات للإعلام” شركة خاصة باسم “ابو ظبي للإعلام” يديرها خبراء غربيون من عالم الاستثمار في الميديا التجارية .وتحول إلى ملكيتها كل قنوات التلفزيون، الجرائد والمجلات التي كانت ملك “الإمارات للإعلام”.
5- السعي السعودي لامتلاك قناة اخبارية يعبر عن تقاطع مصالح: داخلية، خليجية، اقليمية وأميركية.
في النصف الثاني من التسعينات الحصار على العراق يشتد وملامح حرب جديدة، مصيرية، تلوح في الأفق مذكرة بدور (س إن إن) خلال حرب 1991، فيما الفضاء يفتقد لقناة عربية مشابهة.
القوات الأميركية التي شنت الحرب على العراق انطلاقا من السعودية عام 1991 باتت تحتل قاعدتين عسكريتين في قطر ( العديد والسيلية). ومن الواضح أن الأمير القطري الجديد الذي انقلب على ابيه قد قرر منافسة السعودية في التحالف مع الولايات المتحدة الاميركية. وقرر امتلاك قاعدته الإعلامية التي تتحدىالإعلام السعودي.
في لبنان تتسارع الأمور حيث تحتل المقاومة التي يقودها حزب الله الشيعي مقدمة الحدث بعد ان أطلقت إذاعتها وقناتها الفضائية المرنة ،الواضحة الالتزام: المنار، بدعم ايراني.
اما المشاهد فيبحث، حتى في برامج المنوعات، عن اخبار سياسية. لان اهتمامه بالسياسة نابع عن قلق الوجود في منطقة نزاعات وحروب.
هكذا بادرت أوربت إلى ذلك بالتعاون مع البي بي سي على ان تقوم الأولى بتمويل قناة إخبارية تديرها الثانية باللغة العربية.. ولم يكن الخيار مجانيا فال(بي بي سي) هي المحطة الأكثر عراقة، مصداقية ومهنية بالنسبة للعالم العربي حيث قدر عدد مستمعيها عام 1994 بحوالي 14 مليون متابع.
لقد اجتمعت عوامل النجاح في اتفاق يقوم على تمويل وتوظيف أكفأ المهنيين العرب المدربين من ال (بي بي سي) في فريق يمثل كل التنوع في العالم العربي. غير ان الزواج بين التمويل المقدم من (اوربت) والكفاءات التي لدى (بي بي سي). لم يدم طويلا. حيث اعتبر السعوديون أن لهم الحق ” بفرض سياسة اخبارية مهنية، ذات نمط عربي، وبرامجهم المتضمنة تقارير،تعليقات انتقادات، شرط الا تطال الحكومة السعودية والبلدان الصديقة[48]. مما يعني الاّ يكون للمعارضين السعوديين أي حق في التعبير على هذه القناة. بينما أصرّت ال(بي بي سي) على عدم التنازل عن تاريخها في التعبير الحر والموضوعية. وهكذا استقبلت ال (بي بي سي) معارضين سعوديين (سعد الفقيه ومحمد المسعري) من الهيئة السعودية للتحديث فما كان من أوربت إلا أن سحبت تمويلها فأقفلت المحطة وفشل المشروع برمته. بعدها انتظر السعوديون سبع سنوات قبل المحاولة الثانية بين جريدة الحياة ومحطة ال بي سي اللبنانية، لكن المحاولة اوقفت بعد ان استكملت كل تحضيراتها ( انقت عليها المؤسستان 12 مليون دولار وعين لها 69 مراسلا، وكتبت الواشنطن بوست ان نشرات الاخبار ستنتقل إلى لندن حيث اكتمل تجهيز ستوديو خاص.) لكن بيار ضاهر اعلن ان المشروع قد اسقط بسبب انشاء ام بي سي لمحطة العربية وانسحاب ابو ظبي من مجال الاخبار.
انطلقت العربية قبل ثلاثة اشهر من حرب احتلال العراق، وإذا كان نظام آل سعود قد اعترض على هذه الحرب خارج إطار الأمم المتحدة، فانه لم يستطع منع الولايات المتحدة من استعمال مجاله الجوي وجزءا من أراضيه حيث استعملت قوات خاصة أميركية مطار عرعر. وكان معروفا ان العملية ستقاد من قطر التي تملك إلى جانب القواعد الأميركية ،قاعدة إعلامية غير مسبوقة في المنطقة ( الجزيرة)، فيما الجار الآخر الإماراتي يساند صعود قناته ( المنافس الأكثر جدية للجزيرة) التي مكنها تحركها من التحول إلى قناة إخبارية وقت الحرب.
واذا كان المحللون يرون كما ترى جريدة لوموند : ” أن العربية هي رد النظام الوهابي على قناة الجزيرة القطرية التي تزعج الجار السعودي الكبير”. وكذلك الاكسبرس التي كتبت تحت عنوان ” حرب التلفزيونات العربية” : بانتظار الحرب المعلنة ضد العراق، بدأت حرب القنوات العربية. وبدافع القلق من الدور السياسي المحرك الذي تلعبه القناة القطرية قرر أكثر من نظام عربي في الشرق الأوسط نشر القنوات المنافسة. الجديد هو قناة فضائية للأخبار المستمرة تحمل اسم ” العربية” و تبث من دبي أربعة وعشرون ساعة اعتبارا من 3 آذار.. بهدف معلن إعطاء بديل عاقل ومتوازن للجزيرة”.هدف عبر عنه علي الحديثي رئيس مجلس ادارة ام بي سي بقوله انها بمثابة سي ان ان مقابل فوكس نيوز.فان منافسة الجزيرة ليست وحدها سبب إنشاء قناة العربية.
فالحرب والاحتلال هي انطلاق مرحلة جديدة في المنطقة الشرق اوسطية كلها، هي معركة الشرق الاوسط الجديد، المشروع الاميركي الذي سيجد محورا مناهضا له تتزعمه ايران. كما سيجد تهديدا له يتمثل في المقاومات القائمة وتلك التي يمكن ان تنبثق في العراق. ولذلك ستعمل الولايات المتحدة على اذكاء الشرخ المذهبي السني – الشيعي القادر على شق العالم الاسلامي من الهند إلى لبنان، وفي هذه المواجهة المذهبية ظاهرا، السياسية ضمنا لا بد ان يشكل السعوديون والقطريون الوهابيون وزنا مقابلا لايران الشيعية وخطها. ولا بد ان يمتلك السعوديون صوتهم الإعلامي الاخباري القادر على خدمتهم وخدمة الوجود الاميركي في المنطقة. والقادر ايضا على مواجهة احتمالات رياح تغيير قد تهب على العالم العربي.
بدون هذه العناصر لا يمكن فهم التطورات التي طرات على المحطة ولا فهم خطابها. خطاب استفاد اولا من الخبرة الأميركيّة التي تجعل من الملف الإعلامي أحد أهم الملفات والأكثرها تقدما في استراتيجيات الحرب وما بعد الحرب.
وعليه نُلاحظ أنّ تغطية حرب العراق اتّسمت بمرحلتين اعترف بهما جميع القائمين على المحطة: الأولى هي مُسايرة الرأي ومشاعره والثانية وضوح الانحياز إلى الاحتلال، فيما يعترف به المدير الثاني للمحطة عبد الرحمن بقوله : ” في البداية كنا مضطرين ان نساير الجمهور الذي كانت مشاعره معادية بشكل كبير للاحتلال وللولايات المتحدة ومن ثم رويدا رويدا أصبحنا أكثر موضوعية”.
هذا الكلام يؤكده على الحديثي رئيس مجلس الادارة: “أطلقنا العربية قبل ثلاثة أسابيع من الحرب على العراق. في البداية كان الجمهور معاد جدا للحرب، وكان من الصعب جدا ان نجعلهم يقبلون احتلال بلد عربي، لذلك سمحنا لصحافيينا مسايرة مشاعر الجمهور العربي وسمحنا لكل الأصوات بالتعبير. وعندما بدأت الأمور تهدأ، وتمكنت القناة من فرض نفسها في السوق، عبرنا إلى التوازن والمنطق. خصوصا مع تسمية عبد الرحمن الراشد على رأس القناة” .
التوازن والمنطق كان يعني التعتيم على اعمال المقاومة العراقية، واقناع المشاهدة بان اعمالها هي اعمال ارهابية، ووضع لائحة سوداء باسماء عدد من النشطاء والصحافيين والسياسيين يحظر ظهورهم على شاشة العربية، وفرض قائمة كاملة من المصطلحات على التحرير الاخباري.
كانت المشاركة الغربية الانكلوساكسونية واضحة في ادارة المحطة عبر ثلاثة خطوط خطين :
- الخط التقني والخبراء، وهذا يتعلق بالإنكليز الذين اعتمد عليهم السعوديون منذ الإنشاء ومنهم مارتن ويزلي المدير السابق لأورو نيوز، وبعض المستشارين الذين يشاركون في مجلس الادارة مثل جيبي مورغان.
- الخط السياسي والمالي الذي احتفظ به الاميركيون. اما عبر التاثير المباشر واما عبر منظماتهم الإعلامية من مثل ميديا انجامنت تيم (MET) في المركزالإعلامي للجيش الاميركي في السعودية US CINTCOM)) وايراكي ميديا انجامنت تيم (IMET) التي انشئت في العراق بعد الاحتلال كجزء من كومبيند برس. باشراف الجنرال كيميت.
- الخط التمويلي ،حيث يقول التقرير الذي تسرب عن وزارة الخارجية الاميركية عام وترجمته ونشرته دار ميساء في المانيا ،ان الاميركيين خصصوا للمشاركة في تمويل القناة لمدة خمس سنوات. علما بان التقرير يخص مجموعة ام بي سي كلها والتي يسميها : ” المجموعة الذكية”.
ثالثا – القسم الثاني من المشروع الأميركي:ارساء الشرق الاوسط الجديد، ودور اساسي للإعلام.
1- ما بعد احتلال العراق: المقاومات، الشرخ المذهبي وسياسة المحاور.
بعد تحقق الإحتلال أصبح تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد يتطلبُ كسَر المُقاومات: العراقيّة والفلسطينيّة واللبنانيّة، وكسر المحور الذي يدعمها: سوريا والعراق وجزء من لبنان، فيما خلق مواجهة ساخنة على كل الاصعدة لاسيما الإعلامية. مواجهات لا تقتصر على البرامج الاخبارية المباشرة وانما ايضا على المنوعات التي تحمل بدورها قيما وتُنفّذُ أدواراً.
وفي هذا السياق شهدنا نمو المحطات الموالية لايران على الساحة اللبنانية : المنار، ان بي ان والعالم، كما شهدنا وضوح موقف المحطات السعودية اضافة إلى المستقبل اللبنانية التي تشكل امتدادا لها، من اطراف المقاومة العراقية، من حماس والسلطة، من فريق 14 اذار في لبنان، والاهم من ذلك كله من سوريا. خاصة بعد الحادث المفصلي الذي تمثل باغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري مما فتح المجال واسعا لاتهام سوريا وشيطنتها إعلاميا، ومن ثم لاتهام حزب الله، بعد ان فشلت محاولة القضاء عليه في حرب شنتها اسرائيل في تموز 2006. مما ترجم في الخطاب وفي تغيير عدد كبير من الصحافيين والمدراء. وفي برامج كانت تبدو حتى الامس شبه مستحيلة من مثل مسلسل وثائقي عن سمير جعجع، اعطى لقائد القوات اللبنانية المعروف باجرامه وبتعامله مع اسرائيل، صورة الضحية والمظلوم. ليلغ الهجوم الإعلامي ذروته عام عام 2006 مع المقابلة مع عبد الحليم خدام في باريس. يقول حسين فياض مراسل العربية في باريس انه حصل على الأسئلة من دبي، دون أن يتمكن من تغيير كلمة واحدة، من ناحيته يقول عبد الرحمن الاشد إن كل شي أتى بالصدفة، وانه كان بعطلة عندما تم إبلاغها بتنفيذ المقابلة وسعد الحريري يسر لمستشاريه: جملة واحدة كلفتنا 80 مليون دولار في إشارة لاتهام خدام للنظام في دمشق باغتيال الحريري. دون ان يمنع ذلك انخفاض الصوت كلما كانت مصلحة أميركا أو السعودية تدعو إلى مسايرة السوريين.
غير أنّ الشرخ المذهبي مُعزَّزاً بالسياسةِ والدمِ والإعلام، راح يتجذّر أكثر فاكثر، وفي حين كانت المنار والعالم وعدد من المحطات العراقية تتبنى الخط الشيعي كانت الجزيرة والعربية تتبنيان العصبية السنية بحيث تسوق الاولى الاسلام السني الراديكالي العنفي، وتسوق الثانية الاسلام االيبرالي، والسلفي الذي يبدو ليبراليا فيما يخص السياسة ،حيث يفتي احد شيوخه ( وهو مستشار في العربية) بان الجهاد لم يستوف شروطه في اي مكان من العالم العربي والاسلامي وبالتالي فهو غير واجب، في حين يحرم الشيخ نفسه اختلاط النساء وحلق اللحى. في توزيع ادوار يذكرنا بحديث علي الحديثي عن سي ان ان وفوكس نيوز.من هنا كان المدخل للدور الذي لعبته الفضائيات في الحراك العربي الشعبي الحالي والذي يعيدنا إلى تاريخ توظيف وسائل الإعلام في عملية التغيير في المنطقة.
2- توظيف وسائل الإتصال الجماهيري في عمليّات التغيير: من ليرنِر إلى إعلام إقتصاد السوق
في عام 1958 صدر كتاب دانيال ليرنر احتضار المجتمعات التقليدية، تحديث الشرق الاوسط ” The passing of the traditional society- modernizing the Middle East “[49] وهو خلاصة عشر سنوات من العمل في دوائر البحث الاميركية باشراف ” مكتب البث الاذاعي الدولي” (RDI)، وشارك فيه، اضافة إلى الباحثين الاميركيين، الف وستمئة باحث في ستة دول من دول الاوسط لمقارنة فعالية الدعاية الاميركية التي يبثها صوت اميركا مع فعالية صوت موسكو والبي بي سي، في المنطقة.
تحدد الدراسة مبرراتها وتجيب على السؤال:
لماذا الشرق الاوسط ؟ لماذا وسائل الاتصال الجماهيري؟
لأنها تمثل ” قطاعا حساسا ” بحسب تعبير ليرنر، اما عناصر هذه الحساسية فهي برايه:
- الحدود مع الاتحاد السوفييتي
- الصراع العربي الاسرائيلي
- النفط
- نمو المد الثوري
أمّا الاهداف التي يحددها فهي :
– رصد وضبط الامن في المنطقة
– الحاقها بالمعسكر الغربي
” في هذا المشروع تلعب الميديا الوطنية والدولية ( الباحث لا يميز بينهما بوضوح ) وخاصة الراديو السينما، دورا اساسيا، لان بامكانهما ان يمسا المشاهد الامّي “[50].
اما التاثير الذي يمكن ان تحدثه وسائل الإعلام هذه فيعود بحسب ليرنر إلى فعالية نفسية : “التماهي” (the Empathy) الذي يولد التوق الذي يفسره بانه الاستعداد لان تضع نفسك في موقع الاخر، و” المحرض النفسي “. وبما ان الميديا هي ” التي تولد وتضاعف المحرضات”[51] فان بامكانها ان تحرك “الرغبة” التي تشكل وتوجه بدورها رغبتهم في التغيير، الرغبة في الانتقال إلى المجتمع الحديث[52].
وبما ان التغيير لا يعني في هذا التحليل الا تبني النموذج الاميركي، والاندراج في المعسكر الغربي، فإن الميديا المؤهلة اكثر للقيام بهذا الدور هي وسائل الإعلام التجارية كما ترى ايتيل دو سولا بوول التي جاءت jكمل عمل ليرنر في نص حمل عنوان ” دور الإعلام في مشروع التحديث “[53]. في هذا النص تطرح الباحثة قاعدة تقول بان “ما من شيء يستطيع ان يكون فعالا في العبور إلى المجتمع الحديث، اكثر من البرامج التجارية”[54] والواقع ان ليرنر بتحليله وطروحاته الجديدة لم يخرج عن اطار نظرية الحرب السيكولوجية التي بلورها ورفاقه خلال الحرب ضد النازيين، داخل وكالة إعلام الحرب ((OWI التي تحولت إلى (RDI) راديو وتلفزيون انفورميشن، مما يحمل دلالات بليغة سواء بالنسبة لتغير طبيعة الحرب بين مرحلتين، او بالنسبة لانتقال ساحتها إلى الشرق الاوسط، او بالنسبة إلى الدور الموكل للميديا.
لقد لاحظ ليرنر “احتضار المجتمعات التقليدية” “the passing of the traditional society” في الشرق الاوسط، فحاول ان يدفع عملية التحديث والتنمية لياتي التغيير منسجما مع المصالح الاميركية. لكن رجل السيكولوجيا وقع في خطا سيكولوجي كبير اذ اهمل السياق المحلي، مقاومة الجمهور التلقائية والمنظمة، كما اهمل دور القوى السياسية التي تعي مخططه وترفضه على الساحة. ولذلك لم تتحقق التنمية بالصيغة التي ارادها، وكذلك التغيير، كما لم يتحقق الحاق المنطقة بالمعسكر الغربي بل انها انقسمت بين المعسكرين، فتطور اكثر من نصفها باتجاه مختلف. إلى ان غلبت الهيمنة الاميركية بفعل سقوط الاتحاد السوفييتي.وجاء عصر العولمة، مجتمع الاتصالات ومن جديد، التغيير في الشرق الاوسط.
3- إعلام الفضائيات الخليجية(الجزيرة نموذجا) الحراك العربي الحالي:
لم يتغير شيء في تحديد اسباب ” الحساسية” الخاصة بالشرق الاوسط والعالم العربي، سواء في مرحلة سيادة النظام العالمي الجديد وامبراطوريته الاميركية ( 1990- 2006) او في مرحلة ترنحهما امام ارهاصات عودة التعددية الدولية التي انطلقت من فشل حرب تموز 2006 وتنامت حتى بلوغ شيء من التوازن في المشهد الدولي الحالي. أو في مرحلة الحراك العربي الحالي. بل ان اضافة مسالة الغاز الى مسالة النفط تجعل من الرهان على العالم العربي وايران امرا اكثر الحاحا وخطورة. كذلك لم يتغير دور وسائل الاتصال الجماهيري في كل من هذه التطورات. بحيث لا يمكن فهم الظواهر المهمة في هذه الوسائل الا بفهم السياق الجيو سياسي الذي تتحرك ضمنه ، ونظريات الاتصال التي تتبناها. كما لا يمكن اغفال تاثير رسالتها في الحراك، على الاقل في مراحله الاولى.
ففي الايام الاولى للانتفاضة التونسية عقدت جمعيتان عربيتان في باريس، هما اللجنة العربية لحقوق الانسان والمنتدى الثقافي العربي ، ندوة ضمت عددا من الشباب التونسي الذين يمثلون كل الاتجاهات السياسية في البلاد ، وذلك لغاية بثها على الجزيرة مباشر ، ضمن حملة الدعم للثورة على نظام بن علي . غير ان الجمهور الغفير الذي حضر الى القاعة فوجىء بندوة لمعتقلي غوانتانامو بحضور شخصيات برلمانية اوروبية ، وعند السؤال كان الرد بان الجزيرة اشترطت لنقل الندوة الثانية ان تعقد الاولى قبلها وان يتم تصويرهما معا . وان الرابط بين الموضوعين هو حقوق الانسان ، لذا فان هيثم مناع يدير الاولى والمنصف المرزوقي الثانية . غير ان القاعة حجزت باسم النادي لاجل تونس ودون ان تعلم قيادته بامر الندوة الثانية. وعندما جاء المنصف المرزوقي تم تقديمه على مرشح لرئاسة الجمهورية، واذكر جيدا كيف اخذ التونسيون الامر على محمل النكتة لاكثر من سبب منها انهم كانوا يعتقدون انهم سيضطرون الى الثورة طويلا وربما سنوات قبل ان يتوصلوا الى طرد بن علي.
الاغرب ان الوقت الذي كانت الجزيرة مباشر قد خصصته للنقل كان محدودا ، وبما ان الندوة الاولى استهلكت معظمه ، فان المتحدثين باسم التيار القومي والليبراليين واليسار الذين تحدثوا في النصف الثاني من الندوة لم يطلهم التسجيل.
كانت هذه بدايات التحوير والتضليل الاعلامي المنظم الذي فرضته قناة الجزيرة، وتبعتها فيه العربية والقنوات الخليجية الاخرى بنسبة او باخرى، على الحراك العربي بكليته ، ليس فقط ضد الانظمة ، وانما – وذاك هو الاهم – للتعتيم على الثوار الحقيقيين الذين لا يندرجون في الستراتيجية التي تنفذها قطر والسعودية . متخلية كليا عن شعار الراي والراي الاخر الذي كانت قد بنت مجدها عليه ، ويدخل في ضمن هذا التضليل:
– الغاء البرامج الحوارية منذ بداية حراك تونس وحتى تنحي مبارك .
– اقتصار البث على النقل المباشر، دون اية فقرات تحليلية عقلانية ، والنقل الذي بدا عشوائيا وتلقائيا في حين عادت الامور فتكشفت عن كون جزء كبير منه كان منظما على شاكلة ندوة باريس.
– اعتماد هذا النقل على مجهول الهوية (l’anonymat) للحديث فقط عن الفظائع التي يرتكبها النظام وبخطاب طائفي ومذهبي . مع ما تكشف عنه هذا الاسلوب من فضائح سقطت سهوا من مثل ( شاهد عيان يتحدث عن سوريا وعلى الشاشة : من لوس انجيلوس ومن بنغازي)
– تخلي المذيعين انفسهم عن اي قدر من الحيادية ولو في الاداء . فعندما اطلق القرضاوي خلال نشرة اخبار الجزيرة فتوى بالقتل وراح يطلق يطلق دعاوى الدمار : اللهم ، اللهم . اردف المذيعان : آمين ، آمين .
– في اطار قطع الطريق على اي راي مخالف لدعاية الحرب التي اطلقتها الفضائيات الخليجية ان يسمع، حتى ولو كان صوتا معارضا تم التعتيم الاعلامي على الشخصيات المعارضة التي رفعت شعار “لا للعنف لا للطائفية لا للتدخل الاجنبي” . [55]
– التعتيم الكامل على اتصالات اطراف المعارضة المشبوهة ، من مثل علاقتها باسرائيل ، حتى عندما تكون هذه الاتصالات معلنة من مثل المؤتمر الذي نظمه المعارض سوري معروف الدواليبي في فندق لوتيسيا في باريس باشراف معهد ميمري الاسرائيلي ممثلا بايغال كارمون ( ضابط الموساد السابق والرئيس السابق للمعهد ) وميراف فورمسر ( مؤسسة المعهد ومستشارة نتنياهو وتشيني ) . وفي المؤتمر الصحافي الذي عقد في نهاية المؤتمر طالب محمود الاشقر ( قائد الجيش السوري الحر ) بنفي العلويين الى اوروبا[56].
والسبب ان المطلوب هو اثارة الغرائز واطلاق المكبوتات لا تحريك العقول. اثارة الغرائز لانها وسيلة تحريك الطائفية والمذهبية وكل انواع الفئويات القاتلة ، وتحريك المكبوتات لانها مفجر العنف الذي يقطع المجال على اصلاح حقيقي لصالح نمو المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا . وبذلك تتحول الثورة بمفهومها التغييري للرؤى والنظم الاجتماعية الى الفوضى الخلاقة التي نادت بها كونداليزا رايس. هكذا حجب كل صوت يريد ان يتحدث لغة العقل والتحليل لتسهيل التفاف جهات محددة ، تملك ستراتيجيات محددة ، على الثورات العربية ، ومن ثم لتغطية المساهمة في تدخل حلف شمالي الاطلسي لاحتلال ليبيا وتدميرها ومن ثم لاشاعة بلبلة في مصر واخيرا لتفجير حرب تدميرية في سوريا.
مع انفجار الازمة السورية اعيد فقط برنامج الاتجاه المعاكس ليتحول الى مجرد هجوم عنيف على النظام السوري من قبل مذيعه السوري فيصل القاسم. اما الدعوة الى الاصلاح التي طالب بها المعارضون المخلصون ، فلم تصمد على الشاشات الا لايام ، وتحديدا حتى احداث جسر الشغور، ليحل محلها خطاب المطالبة بالتدخل الاجنبي، وعندما فشل انتقل الاعلام الى الحرب الاهلية وعندما فشلت لجا الى التفجيرات الارهابية. التي باتت توحد سوريا والعراق بعد ان فشل البعث في توحيدهما. واذ عادت الشاشات لتستقبل بعض المتحدثين
ولو حاولنا ، على سبيل المثال تطبيق قواعد اللورد بونسومبي على تطور اعلام الفضائيات العربية الخليجية بشان سوريا ، لما وجدنا كبير عناء, من القاعدة الاولى ( نحن لم نرد الحرب ) ، حيث نتذكر التشابه بين مسرحية المفتشين الدوليين وبرامج النفط مقابل الغذاء، خلال التسعينيات, وبين قرارات الجامعة العربية وقصة المراقبين , كاسلوب لاقناع الرأي العام بأن الغرب ووكلاءه لا يريدون الحرب بل أجبروا عليها .
الى القاعدة الثانية ( الشخصنة والشيطنة) ، اي اختصار العداء في شخص يصبح التخلص منه وسيلة للتخلص من البلد بكامله وتدميره , ولذلك انتقل التركيز من النظام السوري , الى شخص بشار الاسد . و سمعنا بالحرف عبارة ” انه منفصل عن الواقع” , في تعليق الخارجية الاميركية على اول حديث له للتلفزيون الأمريكي . مما يذكرنا بالحرب الاعلامية على العراق , التي اصبح الجمهور وحتى نحن الكتاب، نردد لاشعوريا انها حرب ضد ” صدام حسين” لا ضد العراق .
أما القاعدة الثالثة ( الدوافع الانسانية) , فحدّث ولا حرج من ابراز حرص الامريكيين والفرنسيين ومن ثم العرب الذين يدورون في دائرتهم على فتح ممرات انسانية , تكون في النهاية مقدمة للحظر الجوي ثم للاقتحام والتدمير .
واخيرا القاعدةالرابعة ، (تكثيف صور وروايات الفظائع التي يرتكبها النظام ), وهذا ما تكفلت به قناة الجزيرة بالدرجة الاولى ومن ورائها العربية ومن يسير في ركبهما . ورغم تكشف تلفيق وتركيب الكثير من هذه الصور ، بل واستعارة بعضها من ارشيف العراق وافغانستان ، فان التاثير الاولي يكون قد حدث وانتهى الامر.
هذه السردية المتتالية المكثفة , كان من مقتضياتها الا تقتصر الشيطنة على شخص الرئيس , لان المسألة قد تكون سهلة عندها اذا ما طرح حل تنحيه , كذلك لا ينفع تركيزها في الاجهزة الامنية , لان طبيعة الاجهزة الامنية معروفة , ويمكن ان يكون الحل ايضا باصلاحها او على الاقل تقنين عملها , وفي سياق آخر فإن قوتها قد تبدو في مرحلة معينة معادلة لقوة المجموعات المسلحة التي تواجهها . اذا المطلوب هنا شيطنة الجيش السوري لعدة اسباب , اولها : ان النقطة الاساسية في المخطط المعد للمنطقة هو التخلص من أي جيش قوي محيط باسرائيل , التخلص بتدميره واعادة تشكيله مع تغيير عقيدته ( لذلك كان قرار حل الجيش اول قرار اتخذه بريمر في العراق, كما كان مطلب تغيير عقيدة الجيش جوهر الصراع مع الامريكي في لبنان) والثاني ان الجيش هو من يواجه التدخل الاجنبي اذا ما حصل , والثالث ان ثمة حديثاً كان يدور في أروقة المعارضة الوطنية, كما في أروقة الموالاة , عن حل ما يأتي عبر تكفل الجيش بعملية انتقال سلمي الى وضع ديمقراطي للبلاد. خاصة بعد ان كانت حيادية الجيشين التونسي والمصري ضمانة عدم تدمير البلدين, اهداف تقتضي كلها ايضا تفكيك أي وقوف شعبي وراء الجيش في اية معركة سياسية او عسكرية . ولذلك جرت الاعتداءات العنيفة على الجيش والتركيز على تشويهه بكل الوسائل والتهم , واخيرا تضخيم قوته بعد المناورات الاخيرة في شهر اذار 2012 لتبرير تدميره بالتدخل العسكري الاجنبي ، كما حصل مع الجيش العراقي.
في فيلم وثائقي عن الملاكم التاريخي محمد علي كلاي, يدور هذا الحوار بين المحقق العسكري وكلاي الذي رفض الخدمة في الجيش الامريكي في فيتنام. ولماذا لا تريد الخدمة في الجيش? يضيف المحقق, ليأتيه الجواب: ولماذا تريدني ان اذهب لاقتل اناسا لم يقولوا لي يوما: انت اسود, ولم يعاملوني بعنصرية؟
في كليات الاعلام تدرس مقولة مفادها: ان حرب فيتنام قد انتهت على شاشات التلفزيون الامريكية قبل ان تنتهي على الارض. فيما يعني ان ردات فعل الامريكيين على ما كانوا يرونه على الشاشة الصغيرة هي التي جعلتهم يضغطون باتجاه وقف الحرب. ولا شك في ان ذلك ينتقص كثيرا من حق الشعب المناضل الذي قدم التضحيات الاسطورية ليفرض الهزيمة على القوة العظمى. لكن ما من شك في ان ابراز امر او اخفاء اخر يقرر توجهات الراي العام. خاصة وان الشرائح المستهدفة من قبل واضعي الاستراتيجيات, هي التي تتشكل من الذين يقفون في الوسط من الامور الجارية, ولا يملكون بالتالي قناعات ثابتة وراسخة, كما انهم لا يملكون المعطيات والعقلية التحليلية, او لا يريدون اتعاب انفسهم بها.
من هنا يتسع مدى تأثير التلفزيون في خلق واقع قد يختلف عن الواقع الحقيقي, وارسائه في ذهن المشاهد. وصولا الى تكوين حالة عامة وتوجه عام. التلفزيون اكثر من سواه من وسائل الاعلام, لانه اقلها نخبوية, اكثرها وصولا للناس بكل شرائحهم, حتى الاميين منهم.
أما ادوات هذا التاثير فتتراوح من اقصاء وتهميش او ابراز, من دفن او احياء, من تتفيه او تضخيم, الى الكذب المباشر. غير ان نجاح ذلك كله مرتبط بالمعرفة العميقة بسيكولوجية المتلقي, وباتقان استعمال الشيفرات الاعلامية (encodage) التي يضمن المرسل ان تفكيكها (décodage) ستتم بطريقة محددة, تخدم الستراتيجية الموضوعة.
ملاحظات قد تبدو نظرية ولكن يكفي ان نمسك بالريموت كونترول لمدة ساعة, وننتقل معه عبر المحطات العربية الاخبارية كلها, خاصة الخليجية والعراقية : لنسأل بجدية: اهذا هو العراق؟ اهؤلاء هم العراقيون؟ اهذه هي سورية؟ اهذه هي الكثير من الساحات التي لا نعرفها – كما محمد علي كلاي – الا على التلفزيون? من منا يعرف الامكنة التي تصور لنا؟ من منا يعرف الاشخاص الذين يخرجون الينا متحدثين؟ من منا يعرف من اي زاوية اخذت الصورة ولاي سبب تم اختيار هذا الشخص دون سواه, وما حقيقة قيمته التمثيلية؟
في ايام الثنائية القطبية عرفت منظمة اليونسكو برئاسة احمد مختار مبو ، حركة هامة قادتها دول عدم الانحياز ، عرفت باسم نوميك (NOMIC) اي نظام عالمي جديد في اعلام والاتصال. وكان من ابرز نشطائهاالتونسي مصطفى المصمودي ، يتلخص نضالها بامرين : وقف الاتجاه لتدفق المعلومات والاعلام (ONE FLOW) من الشمال الى الجنوب ، ووضع نهاية لتقديم صورة الجنوب ، حتى لاهله، كما يصممها الشمال. حققت المحاولة نجاحا ادى الى انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو ، لكنها عادت عام 1991 وسقطت النوميك. وعندما انطلقت الفضائيات العربية ونجحت في تحقيق البند الاول، تفاءل العرب خيرا ، غير ان الازمة الحالية تدل على ان هذه الفضائيات تتكفل بالبند الثاني وبلسان ومظهر عربيين.
قائمة المراجع الأجنبيّة
- ALTERMAN John, “The effect of the satellite television on Arab domestic Politics”, TBS journal, n 9, Automne-hiver 2002.
- Amin, “The Development of Space Net and its Impact.” Media in the Midst of War, ed. Ray E. Weisenborn. Cairo: Adham Center Press, 1992.
- BALLE Francis, Médias et Sociétés, 11ème édition, Montchrestien, Paris, 2003.
- BEL KASSEM Moustaphaoui, la télévision française au Maghreb, l’Harmattan, Paris.
- BRZEZINSKI Zbingiew, conseiller du président Carter In JEANNANY Jean-Noel, une histoire des Médias, Seuil, Avril, 2001.
- CHEVÈNEMENT Jean-Pierre, Une certaine idée de la République m’amène à…, Ed. Albin Michel, Paris, 1992.
- CORM Georges, le proche orient éclaté (1956- 1991), FOLIO/histoire, Ed.Gallimard, Paris 1991
- DAZI HENI Fatiha, Monarchies et sociétés d’Arabie, Sciences Po, Les presses, Paris, 2006.
- De Sola Pool Ithiel, Role De La Communication Dans Le Processus De Modernisation, in Mattelart Tristan, la mondialisation des medias contre la censure, de Boeck, 2002.
- GHAREEB Edmund, “NEW MEDIA AND THE INFORMATION. REVOLUTION IN THE ARAB WORLD: AN ASSESSMENT”.
- LAURENS Henri, Paix et guerre au Moyen Orient, Armand Colin, Paris ,1999.
- Mattelart Tristan, la mondialisation des medias contre la censure, de Boeck, 2002.
- MORELLI Anne, in “COLLON Michel, Monopoly-L’Otan à la conquête du monde”, éd. EPO 2000, Bruxelles.
- MOUSTAFAOUI Belkassem, « La réception, la télévision des autres ».Réseaux, No 78CNET-1996.
- RAMONET Ignacio, Nouveaux pouvoirs, nouveaux maîtres du monde, ED Fides, Paris, 2001.
- Ruffin Jean –Christophe, L’Empire et les nouveaux barbares, Ed. Jean Claude Lattes, 1991.
- SCHILLER Herbert I., Masse communication and American Empire, Westview press, Boulder, second Edition, 1992, 14-15, cité par Mattelart Tristan.
- SCHLEIFER Abdallah, “Media Explosion in the Arab World: The Pan-Arab Satellite Broadcasters” TBS journal, N1, 1998.
- Sheikh Hamad bin Thamer Al Thani, chairman of the board of Al-Jazeera, spoke with TBS Senior Editor Abdallah Schleifer and Managing Editor Sarah Sullivan in Doha about the philosophy behind the channel, and how it has developed into a global broadcaster. TBS journal, No7, winter 2001.
- WALTON Dominique, Penser la communication, champs Flammarion, Paris 1997.
- Woofer Wilson, cité par Noam Chomsky, L’idéologie et L’économie, EPO, p.6
- Kai Hafez, “Mass Media, Politics and Society in the Middle East” Cresskill, NJ: Hampton 2001
قائمة المراجع العربيّة
- “انا وحرب الخليج”، الترجمة العربية، د. حياة الحويك عطية، دار الكرمل، عمان 1992
- “شحاتة لطفي النزاع الحدودي بين العربية السعودية ودول الخليج”، الرهط الاول، القاهرة، 1 يناير 1993
- مقابلة خاصة مع محمد جاسم العلي في الدوحة
- ذكريا قاسم جمال، ” التكون السياسي والاقتصادي في قطر”
- حياة الحويك عطية : مقالات
قائمة الروابط الإلكترونية
- http://www.orbitcorp.com/en/article/about-us/corporate-profile.html
- ebssib.fr
- http://www.tbsjournal.com/Archives/Fall02/Alterman.html
أرشيف فيديو
- Vidéo 45, minutes, production Regard Croisés, Bruxelles, mai 1999
MORELLI Anne, in “COLLON Michel, Monopoly-L’Otan à la conquête du monde”, éd. EPO 2000, Bruxelles, p.12[1]
Vidéo 45, minutes, production Regard Croisés, Bruxelles, mai 1999[2]
[3] MORELLI Anne, in “COLLON Michel, Monopoly- L’Otan à la conquête du monde”, éd. EPO 2000, Bruxelles, p.12
[4] الحويك عطية حياة، ” الحرب الاعلامية”، العرب اليوم ، عمان، 29،12، 2012
http://www.alarabalyawm.net/pages.php?articles_id=18273
[5] Mattelart Tristan, la mondialisation des medias contre la censure, de Boeck, 2002. p.19
[6] BALLE Francis, Médias et Sociétés, 11ème édition, Montchrestien, Paris, 2003, p.659
BRZEZINSKI Zbingiew, conseiller du président Carter In JEANNANY Jean-Noel, une histoire des Médias, Seuil, Avril, 2001, p 315[7]
WALTON Dominique, Penser la communication, Champs Flammarion, Paris 1997, p.273[8]
[9]المصدر السابق
RAMONET Ignacio, Nouveaux pouvoirs, nouveaux maîtres du monde, ED Fides, Paris, 2001[10]
[11] SCHILLER Herbert I. , Masse communication and American Empire, Westview press, Boulder, second Edition, 1992, p.14-15, cité par Mattelart Tristan, la mondialisation des médias contre la censure, de Boeck, 2002 op.cit., p.58
MATTELART Tristan, la mondialisation des médias contre la censure, de Boeck, 2002, opt cit. p.59, [12]
[13] MATTELART Tristan, la mondialisation des médias contre la censure, de Boeck, 2002, opt cit. p.55
[14] Woofer Wilson, cité par Noam Chomsky, l’idéologie et l’économie, éd.EPO, p.6
[15] Ruffin Jean –Christophe, l’Empire et les nouveaux barbares, éd. Jean Claude Lattes, Paris 1991, p.17
[16] CHEVENEMENT Jean-Pierre, Une certaine idée de la République m’amène à…, Ed. Albin Michel, Paris, 1992.
الترجمة العربية، بعنوان: “انا وحرب الخليج”، ترجمة حياة الحويك عطية، دار الكرمل، عمان 1992
[17] Ruffin Jean Christophe, op Cit, p.210
[18] LAURENS Henri, Paix et guerre au Moyen Orient, op.cit., p.405
[19] المصدر السابق
[20] المصدر السابق ص.408
[21] المصدر السابق
[22] CORM Georges, le Proche Orient éclaté (1956- 1991), op.cit., p.356
[23] المصدر السابق ،ص.445
[24] المصدر السابق، ص.355
[25] SCHLEIFER Abdallah, “Media Explosion in the Arab World: The Pan-Arab Satellite Broadcasters”, op.cit.
[26] Amin, Hussein. “The Development of SpaceNet and its Impact.” Media in the Midst of War, ed. Ray E. Weisenborn. Cairo: Adham Center Press, 1992.
[27] Schleifer Abdallah, op.cit
[28] MOUSTAFAOUI Belkassem, « La réception, la télévision des autres », www.ebssib.fr
[29] المصدر السابق
[30] SCHLEIFER Abdallah, “Interview with MBC CIO Ian Ritchie” London, July, 1991, TBS journal,Archive, No.1,1998.
[31] المصدر السابق
[32] انظر http://www.orbitcorp.com/en/article/about-us/corporate-profile.html
[33] ALTERMAN John, “The effect of the satellite television on Arab domestic Politics”, TBS journal, n 9, automne-hiver 2002, http://www.tbsjournal.com/Archives/Fall02/Alterman.html
[34] BEL KASSEM Moustaphaoui, la télévision française au Maghreb, l’Harmattan, paris, p.225
[35] “New Media and the information revolution in the Arab world, and assessment” GHAREEB Edmund, Middle East Journal, 54:3 (2000:Summer) p.395
[36] أولاد الملك ابن سعود من زوجته السُّديرية
[37] منطقة البريمي لم تكن تشكل مشكلة قبل العام 1943.في هذا الوقت تم اكتشاف البترول. عندئذ دفعت أميركا السعوديين للمطالبة بها بحجة انها محتلة منذ مائة عام.
[38] “شحاتة لطفي، “النزاع الحدودي بين العربية السعودية ودول الخليج”، الرهط الاول، القاهرة،1 يناير 1993
[39] مقابلة خاصة مع محمد جاسم العلي في الدوحة
[40] DAZI HENI Fatiha, Monarchies et sociétés d’Arabie, p.225
[41] ذكريا قاسم جمال، ” التطور السياسي والاقتصادي في قطر”
DAZI HENI Fatiha, Monarchies et sociétés d’Arabie, op.cit., p.223[42]
[43] حتى عام 2002 كانت الامارة تستورد من فرنسا 80% من حاجاتها العسكرية، ومنذ اقامة القاعدة بدات هذه النسبة تنخفض.اما الاستثمارات فكانت 1 مقابل واحد، واصبحت 1 مقابل خمسة
[44] Sheikh Hamad bin Thamer Al Thani, chairman of the board of Al-Jazeera, spoke with TBS Senior Editor Abdallah Schleifer and Managing Editor Sarah Sullivan in Doha about the philosophy behind the channel, and how it has developed into a Global Broadcaster. TBS journal, No7, winter 2001
[45] DAZI-HENI Fatiha, “Monarchies et société d’Arabie”, op.cit., p154
[46] المصدر السابق ص155
[47] يُطلق اسم الشيوخ الفاطميين على الشيوخ السبع، أبناء للشيخة فاطمة، الزوجة الرابعة للشيخ زايد
[48] Kai Hafez, “Mass Media, Politics and Society in the Middle East” Cresskill, NJ: Hampton 2001
[49] MATTELART Tristan, La mondialisation des médias contre la censure, de Boeck, 2002, opt cit. p.19
[50] المصدر نفسه صفحة 19
[51] المصدر نفسه
[52] المصدر نفسه صفحة 20
[53] DE SOLA POOL Ithiel, Le role de la Communication dans le processus de modernisation, Cité Par Mattelart Tristan. Op. cit. p.20
[54] المصدر نفسه
[55] الاصوات المقموعة في المعارضة السورية ، الحويك عطية حياة، العرب اليوم، عمّان، 5،3، 2012
http://www.alarabalyawm.net/pages.php?articles_id=19379
[56] الحويك عطية حياة ، العلويون الى اوروبا “، العرب اليوم، عمّان، 3،5،2012
http://www.alarabalyawm.net/pages.php?articles_id=20398