بين مراح وبريفيك

السياسة العربية الأوروبية، 03-04-2012

“علينا أن نتوقف عن سياسة أن طفلاً في فلسطين لا يساوي طفلاً في فرنسا”!! نداء يطلقه صحفي فرنسي يدعى لوك فيرفايييه في مقال طويل نشرته مجلة “فرانس سوار” الفرنسية.

 

بدأه بجرس إنذار خطر: “ها هي الحرب على الإرهاب تدق أبواب بيوتنا، لقد دامت وقتاً طويلاً بحيث لم نعد نعرف كيف نعيش من دونها” وهو إذ يجري مقارنة بين حادث محمد مراح في تولوز وحادث اندريه بريفيك في النرويج، فإنما يعتبر أنهما لا يمثلان ظاهرتين معزولتين بل تجسيد كامل لما آل إليه وضع العالم الغربي من مواجهة خطرة نتيجة لعب السياسيين على وتر صراع الحضارات والإرهاب الإسلامي.

 

وإذا كان الكاتب يعتبر أن تفاقم هذا الوضع يرتبط داخلياً بثلاثة عناصر: المحيط العنصري، العداء الديني والأزمة الاقتصادية، فإنه يعتبر أيضاً أن السياسات الغربية الاستعمارية على الصعيد الخارجي هي التي أدت إلى جعل هذه الظواهر المرضية ظواهر اجتماعية.

 

غير أن ما يلاحظه المتابع، هو طبيعة ردة الفعل على الحادثتين: حيث قوبلت حادثة النرويج بعملية إنكار (وليس استنكاراً) اجتماعياً، بمعنى أن ما سارعت إليه الأوساط السياسية والاعلامية وحتى العدلية هو القول إن الشاب مصاب ببارانويا، مريض نفسياً تم تحويله إلى العلاج النفسي، وعينت له محاكمة. فيما يشكل تبرئة للمجتمع من جريمته. وبذا يصبح إعلانه الصريح بأنه ينتمي إلى الوحدة العسكرية لحركة المقاومة النرويجية التي تريد تطهير أوروبا من اليسار ومن الإسلام، يصبح هذا الإعلان رأياً فردياً لشاب مريض، وبالتالي لا يصم المجتمع بالعنصرية. ولا يمس بحضارته.

 

بالمقابل، ومنذ اللحظات الأولى لمحاصرة مكان محمد مراح، استشرس الإعلام (والسياسيون) في الحديث عن التعصب العقدي، الأصولية والانحراف الأخلاقي المرتبط بالجهاد، وتدفق سيل الفيديوهات المرعبة لحملات تدريبية، لرجال مقنعين، لأشكال مخيفة، متوحشة وغير حضارية. يرافقها تعهد ساركوزي بأنه سيلاحق كل هؤلاء المجرمين الإرهابيين ويقضي عليهم. فالرئيس المرشح الذي وصلت أسهمه إلى الحضيض، بحاجة إلى فيلم أكشن أمريكي يوحي للفرنسيين بأنهم مهددون وأنه الوحيد القادر على إنقاذهم. لعبة قديمة، طالما كررها بشأن الضواحي الفرنسية.

 

من جهة ثانية، فإن معسكر الرئيس المستشرس في تفعيل تحرك ما ضد سوريا، الذي بات يواجه معارضة شديدة من معسكر يضم رئيس الأركان ووزيري الخارجية والدفاع وعدداً من الدبلوماسيين والعسكريين، بحاجة أيضاً إلى ان يوهم الفرنسيين بأن هؤلاء العرب برابرة لا بأس من تأديبهم كما فعل في ليبيا. إضافة إلى أن كون مراح جزائري الأصل، قد يفيد في مرحلة تالية يخطط لنقل التفجير فيها إلى الجزائر . ومن هنا يفهم رفض الجزائر دفن مراح فيها. فهو شاب فرنسي، لم يعرف الجزائر يوماً، فلماذا لا تتحمل فرنسا مسؤولية وصوله إلى هذا السلوك العنفي، وهي فعلاً مسؤولة عن ذلك لأسباب تتعلق بتعاملها مع المهاجرين، وبسياساتها الخارجية؟

 

سياسة عبّر عنها فيرفاييه بجملة بليغة : بالتزامن مع حادثتي النرويج وتولوز قتلت “إسرائيل” أطفالاً في غزة وقتل الضابط الأمريكي روبرت بال أفراد عائلتين أفغانيتين ثم أحرق جثثهم، وقبلهم  عشرة، مئة، ألف… قتيل في العراق غزة أو أفغانستان .

 

لا أعرف أسماءهم ولن نعرفها أبداً.

 

لكن ها نحن نتذكر أن الحرب صعبة، قاسية، مؤلمة، رهيبة وأن للضحايا عائلات.. إنها تأكيد لخوفنا لأن مراح هو موجود محتمل بذور في الجاليات المسلمة التي تناسب فهمنا لصراع الحضارات، ترجمة لعشر سنوات من الانتقام المتبادل فيما سموه الحرب على الإرهاب: “حملة، تدريبات، أشخاص مقنعون، أشكال مرعبة، ساركوزي سيلاحق كل هؤلاء”.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون