على شاشة روسيا اليوم لقاء مع محمود عباس، وانا افتح الكمبيوتر لاعد مداخلة في تقديم العمل الموسوعي الجبار الذي اصدره نواف الزرو بعنوان الهولوكوست الفلسطيني المفتوح. افتح بريدي الالكتروني فاقع على مقال بالفرنسية لكاتبة مغربية فرنسية مناضلة، بعنوان : اعداء اسرائيل الجدد.
رغم كل التداعي العربي، والذي ينعكس على القضية الفلسطينية، تبدو هذه القضية مستعصية على النار التي تهدد بتحويل كل شيء الى رماد. وربما يكون من غريب المفارقات ان اصرار اليهود على تعبير الهولوكوست وبالعربية ( المحرقة ) بدلا من المجزرة او أي شيء اخر، هو امر مرتبط بفتوى تلمودية مفادها ان الموت بالنار حرقا يقتضي تعويضا الهيا، مما تمثل بكون قيام دولة اسرائيل هو تعويض رباني على محرقة الحرب العالمية الثانية. ومن هنا السؤال عما اذا كانت هذه الاسطورة البالية ستنطبق رمزيا على القضية الفلسطينية. خاصة وان ثمة مفارقة اخرى مهمة تتمثل في كون قصص المحرقة مبنية في الجزء الاكبر منها على اكاذيب وفي احسن الحالات على تضخيم، في حين ان قصص الهولوكوست الفلسطيني تخضع لتعتيم عالمي مطبق وتقزيم وتحوير، وان اللوبيهات ذاتها هي التي تسوق الحالتين. ومن هنا فان تخوف اسرائيل الاكبر هو ان تخترق الحقائق الاعلام الغربي وتبدا بتغيير مواقف الراي العام.
في مقالها تروي بديعة بن جللون ان ستيف ليند مدير تحرير الجيروزاليم بوست قال خلال المؤتمر الدولي للمنظمات الصهيونية النسائية نقلا عن بنيامين نتنياهو: ان نيويورك تايمز وهاارتس تحولتا الى عدوتين لاسرائيل. ولا تستغرب بن جللون هذا الحكم على صحيفتين صهيونيتين، بل انها تضع ذلك في خانة ما تسميه البارانويا الاسرائيلية من تحول الراي العام الشعبي الدولي ضدها. ذاك ان هيمنتها على هذا الراي العام قد استندت دائما الى هيمنتها الكاملة على اقفال محمكة ضد أي انتقاد لسياساتها او فضح لحقيقتها واكاذيبها. ذاك ان دولة قامت على الكذب، لا تخشى شيئا اكثر من افتضاح الاكاذيب.
هذا ما يلتقي مع موسوعة نواف الزرو الذي وثق كل ما يتعلق من حقائق الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. عبر الف صفحة تتوزع على 14 بابا. تتدرج من الاستعراض التاريخي والاساس الايديولوجي الى الراهن والتطبيقي، معتمدا المنهجين: الكمي والنوعي. وينطلق من الاطر العامة الى التفاصيل الصغيرة التي تعطي للعمل ملموسيته ومصداقيته، كما تؤمن للتحليل كل معطياته.
يبدا بالتاريخي ثم السياسي فالعسكري فالاقتصادي فالاعلامي، بادءا من الادبيات التي تفسر الشحن النفسي والدوافع الاعتقادية الايمانية. وبانيا كل فصل من فصوله على الاساس الايديولوجي ثم التطور التاريخي، ثم الجانب الوقائعي الموثق، فالجانب القانوني الحقوقي منتهيا الى الى الاستخلاصات السياسية والقانونية والواقعية واحيانا الى الاقتراح العملي
واذا كان الزرو يعتبر ان الهدف من عمله هو شن هجوم مضاد للهجوم الصهيوني التجريفي المنسق والستراتيجي على العقل والوعي الجمعي العربي المتعلق بالذاكرة والنكبة، وشعاره : لنكتب كي لا ننسى. شعار يكرس حرب الذاكرة التي تشكل اساسا جوهريا في المواجهة التاريخية القائمة على ارض فلسطين، التي لا تتسع لذاكرتين : واحدة طوطمية موهومة تجند لها كل حقن الاحياء الفعالة، واخرى حقيقية ساخنة تجند لمحوها واخمادها كل حقن الهلوسة والتخدير.
فانه من المهم جدا ان تفعيل ترجمة مثل هذه الاعمال الى اللغات الاجنبية، رغم ما نعرفه عن صعوبة انتشار مثل هذه الاعمال، بسبب الحصار الذي تفرضه اللوبيهات اليهودية في الخارج. غير ان ثمة وسائل كثيرة للالتفاف على هذا الحصار، منها ما يتمثل في منظمات المجتمع المدني والمؤسسات البحثية المحايدة او المؤيدة، ومنها ما يتمثل في وسائل الاتصال الحديثة التي باتت تتجاوز كل حصار.
وعندها يمكن ان تغذي هذه الترجمات نشاط المؤيدين الاجانب، والمهاجرين العرب الذين فقدوا قدرتهم على التواصل باللغة العربية دون ان يفقدوا انتماءهم، وربما يكون لنا من قدرتهم على التواصل بلغات دول الاقامة مكسبا مهما.