لكانما هو الرقم السحري في اساطير هذه المنطقة من العالم: رقم سبعة.
سبع سنين،منذ ان ذهبت عام 2004 وقبل ان تحق لي العودة بالمعنى الحقيقي عام 2011؟
هل امتزج الذاتي بالعام لتكون المرحلة بين فاصلين: الاول تغيير جذري،لا شك انه كان هبوط الى اسفل الاسفل، واله الموت ينتصر على الحياة في البقعة التي اخترعتهما، واخترعت اسطورتهما ما بين نهرين- ذراعين احتضنا ولادة الحضارة الانسانية، فانتقم منهما هولاكو قادم من الشرق وهولاكو قادم من الغرب، ولوعلى مسافة.
والثاني تغيير يلوح جذريا على امتداد العالم الذي ينطق لغة نهضت بنجاح باهر بدورها في بناء الحضارة الانسانية، لياتيها استعمار عثماني قادم من الشرق، واستعمار اوروبي ثم اميركي قادم من الغرب، فيغرقها من عصر انحطاط الى اخر، ويدق راسها في الهوة المعتمة كلما حاولت ان ترفعه الى السماء.
هل تواطات مع بلادي، فذهبت، وعدت، لا في المكان فحسب، بل في تلك الرحلة الغريبة بين الحياة والموت والمقاومة. لكأنني ذهبت الى احتمال الموت السرطاني مع احتمال موتها، وقاومته بجسدي وبعقلي مع مقاومتها، وعدت منه والى ربوعها مع محاولة القيامة والبعث.
سعيدة بزهو انني هنا من جديد، رغم انني لم اغب مرة اكثر من ثلاثة اشهر، ولكن قيود الجامعات والمستشفيات كانت تشد وثاقي دائما الى الهناك بينما ابقى كلي مشدودة الى الهنا. وبقيت مقالاتي الدورية في خمس دول عربية، وعلى راسها الاردن دون شك، الجسر الحقيقي الذي اعبر عليه كل صباح الى الهنا، متحدية غربة الهناك. كما ظل عملي الدؤوب على رسالة دكتوراه حول الاعلام العربي تشعرني انني اذهب يوميا الى الدوام واقابل كل الزملاء. وعندما انتهت الرسالة، واوقف مقالي في الدستور، اصبح عد الايام للعودة هو الشاغل الاول.
مثير للدلالة ان اعود من صفحة الدستور الى صفحة ” العرب اليوم “، فالدساتير العربية اليوم هدف التغيير، وعرب اليوم يريدون ان يكونوا غير عرب الامس ليقودوا مرحلة جديدة. فاي عنوان يمكن ان يحفز الفكر والنقاش والجدل كتعبير: العرب اليوم.
العرب اليوم ينهضون من السنوات العجاف بحسب راي البعض، ويدخلون مرحلة جديدة منها، بحسب البعض الاخر. العرب اليوم يعيشون ثورة بحسب العاطفيين المتحمسين، ويعيشون انتفاضات شعبية قد تتحول الى ثورات، بنظر الواقعيين المدركين، ويعيشون مرحلة من اصعب مراحل صراع الارادات، داخليا وخارجيا بحسب المحللين المتعمقين. واذا كانت الاسطورة تقول ان درجات العالم السفلي هي سبع، نزولا وصعودا، فقد نزلناها حتى اخرها وجنود الهة الموت وراءنا، ونحاول ان نضع اقدامنا على اولها صعودا، لكن من حولنا وبيننا جوقات مخيفة، هائلة، من شياطين الموت وملائكة الحياة، والعالم كله يلعب ورقته في صراعنا هذا، لاكثر من سبب: اولها ان مصير تغيراته وتبدلاته وتوازناته يتحدد كله هنا… قدر الجغرافيا، وقدر التاريخ وقدر الاقتصاد والثروات. هي الحال منذ اقدم العصور، وهي كذلك في الحديث الحديث، منذ كانت حرب الخليج مسمار تثبيت النظام العالمي الجديد، القائم على العولمة الاميركية واقتصاد السوق واحادية الامبراطورية. ومنذ اصبح هذا النظام نفسه مهددا بسبب احتمالية فشل مشروع الشرق الاوسط الجديد، وتصدر الغاز واجهة الحسم الى جانب النفط، وفشل نظام اقتصاد السوق الذي لم يقد الا الى الازمات، مما يعيد خلط الاوراق العالمية من جديد نحو نظام عالمي اخر جديد، قد نكون ادواته الرابحة وقد نكون ادواته الخاسرة، ولكننا في الحالين ادواته الحاسمة.
اما السبب الثاني، فهو ذلك المرير الثابت، والمتمثل في عبارة بسيطة- قاعدة قالها انطون سعادة يوما: “اذا ما تخلت امة من الامم عن تقرير مصيرها، حددته التطورات الجارية والارادات الاجنبية.”
انه صراع الارادات الاجنبية والداخلية، والذي سيكون على كل قادة الراي العام وبناته، من مربين واعلاميين وكتاب وفنانين ان يتعالوا الى مستوى مسؤوليتهم فيه.