في الثمانينات ضجت منطقة الشرق الاوسط بنظرية الاحتواء المزدوج، بالتزامن مع ضجيج نظرية تصدير الثورة الاسلامية الخمينية، وادى الامر الى حرب طويلة انهكت العراق وايران، هي حرب الخليج الاولى التي انتقلت الى الحرب الثانية ومن ثم الثالثة التي دمرت العراق.
واليوم يبدو للمراقب ان السيناريو نفسه مرشح للتكرار بالنسبة لسوريا وتركيا. فاردوغان يسوق لتصدير نموذجه الاسلامي ومارتن انديك يقترح من على شاشة الجزيرة تدخلا عسكريا تركيا لحسم الازمة السورية.
وعندما يكون مارتن انديك هو نفسه صاحب نظرية الاحتواء المزدوج في الثمانينات، فانك لا تستطيع ان تسمعه دون ان تعود الى سيرته.
انديك، الديبلوماسي الاميركي الذي عرفناه جيدا عندما كان سفيرا مرتين في اسرائيل، لم يصل اسرائيل الا بعد رحلة عمر طويلة بداها في بريطانيا حيث ولد لاسرة يهودية متشددة، ومن ثم في استراليا حيث ذهب للدراسة العليا على يد ستيفن روزون الذي شغل منصب مدير الشئون الخارجية في أيباك. روزون دفع تلميذه النجيب. كما دفع زميله دنيس روس من بعده لمغادرة استراليا والذهاب إلى واشنطن للعمل لصالح الايباك ( لجنة العلاقات الاميركية الاسرائيلية ). والغريب ان الرجلين اصبحا ديبلوماسيين وانتهيا الى العالم العربي: سفيرا ومنسقا لعملية السلام
في واشنطن بدا انديك عمله عام 1982 كرئيس لقسم الأبحاث في الايباك، ومن ثم حول القسم الى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عام 1985. وقد جاء في اهداف المعهد، بحسب موقعه الإلكتروني: التاسيس لفهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وتوفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم، بتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين. ويضيف موقع تقرير واشنطن إن الهدف من تأسيس المعهد كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث.
وبعدها اختير إنديك ليكون أحد مساعدي مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس بيل كلينتون ومنها إلى وزارة الخارجية الأميركية حيث عمل مساعدا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط. .
ومن اهم ما عرف به هذا المخطط الستراتيجي انه هو من اطّر لنظرية الاحتواء المزدوج تجاه العراق وايران.
على شاشة الجزيرة قال الرجل وببساطة ان الظروف غير مناسبة لتدخل دولي ضد سوريا، ولا حتى لاتخاذ قرار اممي، لكن الحل – برايه وحرفيا – ان هناك جيشا قويا على الحدود الشمالية لسوريا هو الجيش التركي وبامكانه القيام بالمهمة بدلا عن الغرب. اما السيناريو المفترض فلا يتركه انديك مموها، بل يحدده وبوضوح دقيق: اما اعتداء سوري على مواطنين اتراك يستفز ردا، واما تدفق اللاجئين السوريين الى تركيا، وعندما يتكاثر عددهم، لن تتركهم تركيا يدخلون اراضيها – والكلام دائما لانديك، بل ستقيم لهم معسكرات داخل الحدود السورية وتعلنها منطقة عازلة، وهناك يتركز ما يسمى بجيش سوريا الحرة ويروح يشن هجماته ضد سوريا بدعم تركي غربي.
السيناريو الانديكي يذكرنا في شقيه بتجربتين سابقتين في المنطقة: التجربة الاولى هي الحرب العراقية الايرانية التي جسدت ستراتيجية الاحتواء المزدوج وانتهت الى اضعاف وعزل الطرف المهزوم وتدمير الطرف المنتصر وتركيز احقاد ستبقى مستعرة بين الطرفين وامتداداتهما الاقليمية والمحلية بما يكفي لاستمرار نار التدمير والانتقامات الى ما لا ندري.
اما السيناريو الثاني فيعيدنا الى تجربة جيش لبنان الجنوبي الذي لم يكن من باب المصادفة ان يكون اسمه هو الاخر جيش لبنان الحر. علما باننا لا ننجر هنا الى اية تاويلات خبيثة تريد ان تفسر هذه المقارنة بانها اتهام للمعارضة عبر تشبيهها بعملاء اسرائيل. ففي هذه المعارضة من هم اشرف المناضلين، وفيهم من خدم القضايا العربية وفي طليعتها قضية فلسطين في العالم العربي وفي المهاجر، بكل تضحية واخلاص، ولكن فيهم ايضا من هم على استعداد لبيع كل شيء والتعامل مع الخارج، اما في سبيل شهوة سلطة واما في سبيل شهوة انتقام، وهذا امر طبيعي في كل الانتفاضات والتحركات السياسية في أي مكان.
المهم ان حل المسالة السورية لا يجوز ان يتم – باي حال- عبر سيناريو انديك بشقيه لانه لا يحمل الا الدمار والاستنزاف، وهل يمكن ان يخطط صهيوني معروف، ومن وراءه، لغير الدمار؟