بحفاوة بالغة، وفي الاسبوع نفسه كان الرئيس الفرنسي يستقبل الرئيس العراقي وكان الرئيس الصيني يستقبل الرئيس الاميركي.
الرئيس نيكولا ساركوزي، هو رجل اليمين الفرنسي الذي عارض الحرب الاميركية على العراق وهو الذي استطاع ان ينتزع جزءا كبيرا من اصوات اقصى اليمين لانه زايد على جان ماري لوبان في طروحاته الانتخابية.
اما جلال طالباني فهو من قضى حياته منشدا شعارت اليسار ومنظرا اساسيا له في العالم العربي، مما جعله كقائد كردي يتمكن من جمع الكثيرين من العرب الى جانبه، ضد نظام صدام حسين الذي كان يمثل يمين البعث.،ثم كان اول من التحق بالمحافظين الجدد الذين يلتزمون اقصى اليمين بقيادة جورج بوش لاحتلال بلاده،. وما يزال يحكم العراق تحت هذا الاحتلال.
لكن الرجلين تعانقا بحرارة، حرارة مبعثها ما اعلنه مسؤول فرنسي للصحافة بقوله: الاميركيون على ذهاب، والعراق مقبل على تعددية في العلاقات الخارجية الاقتصادية ومشاريع اعادة الاعمار تقدر بعدة مليارات.
بالمقابل كان باراك اوباما يكرر – ويطبق – ما سبقته اليه وزيرة خارجيته في الصين،، وما كرره للواشنطن بوست مستشاره لشؤون اسيا صفري بادر، من ان حقوق الانسان لم تعد اولوية على جدول اعمال العلاقات الصينية الاميركية، وان ثمة امور اكثر اهمية تتقدمها لخصتها كلينتون بثلاث: الامن والاقتصاد والتغيير المناخي، وعاد بادر ليفصلها محددا : الاقتصاد، التغيير المناخي، الطاقة، كوريا الشمالية، ايران، افغانستان، باكستان.
مؤكدا على مبدئي الريلبوليتيك ، و عدم التدخل الذين طرحتهما كلينتون، وتاركا للصينيين الذين حلموا بان التغيير سياتي من الخارج ان بحلموا.
ففي حين كان اوباما يجتمع برئيس وزراء الصين ويخطب وده بكل الوسائل كان خمسمئة شخص يطلقون على تجمعهم اسم: المبادرة الصينية، وينشطون من بوسطن، يصدرون بيانا يعبر عن احتجاجهم وعن اسفهم لرفض اوباما استقبال الدالاي لاما قبل شهر من لقائه بهو جينتاو.
الواقعية السياسية تنبع اولا من واقع اقتصادي اولا: الازمة الاقتصادية العالمية التي تعاني منها الولايات المتحدة اكثر من سواها من دول العالم، وبواقع ان الصين هي صاحبة دين يبلغ مليار دولار على الولايات المتحدة وعليه لا يتوجب اغضابها لا بموضوع التيبت ولا بموضوع حقوق الانسان.
كما تنبع من واقع سياسي امني، جوهره ثقل الصين في كوريا الشمالية، في الملف النووي الايراني وفي فغانستان وباكستان.
ملفات اربع او بالاحرى ثلاثة، تقرر مالاتها مصير الامبراطورية كقوة تربعت منذ عام 1991 وحيدة على عرش العالم. غير ان التطورات الدولية تبدو متجهة نحو نهاية هذا الاستفراد. نهاية كان الجميع يتوقعها قبل عشرين سنة عبر نمو الصين واوروبا. غير ان الواقع الحالي يشهد بروز قوى اخرى لم تكن يومها في الحسبان، وابرز تجلياتها بروز مجموعة العشرين التي تبلورت في قمة بطرسبرغ الاخيرة في سبتمبر الفائت كبديل لمجموعة السبع التي سبق وان اضطرت الى التحول الى مجموعة الثماني بقبول انضمام روسيا
معلق اميركي وصف هذا التحول بقوله: “ليست مجموعة العشرين بديلا عن مجموعة الثمانية بل عن القوة الاولى فيها اي الولايات المتحدة الاميركية ”
غير ان التطور الاخطر جاء عبر بروز مجموعة اخرى باتت تعرف باسم البريك. وهو مصطلح يجمع الاحرف الاولى من اسماء الدول الاربع: البرازيل،روسيا، الهند والصين. التسمية اطلقها منظر اميركي هو الاقتصادي المشرف على غولدمان ساكس، وتحول الى مصطلح واقعي مع تبلور التجمع الجديد في تبلور في لقاء ليكتنمبورغ في حزيران الفائت
تجمع البريك يمثل 34% من سكان العالم وسيمثل 33 % من الدخل العالمي الصافي عام 215،
وان تكن الدول الاربع تفضل العمل بشيء من التحفظ في الوقت الحالي، الا انها ناقشت بوضوح مسالتين خطيرتين الاولى تتعلق باصلاح صندوق النقد الدولي والثانية بالدولار
ولا يخفى ان مسالة الدولار، هي اخطر ما يهدد الهيمنة الاميركية، لا لانه رمزها فحسب، بل لانه ايضا وسيلتها للسيطرة. وتؤكد التقارير الاعلامية ان منافسي الولايات المتحدة الاميركية قد عقدوا اجتماعات سرية لمناقشة تحديد دور الدولار، ولتبني مبدا سلة العملات التي من شانها – اذا اقرت ان تسرع من تراجع الولايات المتحدة
المعلقون الغربيون يقولون ان موازين القوى قد تغيرت
والستراتجيون الاميركيون يفهمون ان على بلادهم التخلي عن دور تمثيل دور الرسالي الي وظفه المحافظون الجدد لاحتلال العالم.
والحكمة نفسها تتكرر: الرؤى السياسية تغيب الى غياهب العالم الاخر لتترك الساحة فارغة الا من التبريرات عندما يتعلق الامر بالمصالح الاقتصادية للدول.خاصة عندما يلوح في الافق بروز نظام عالمي جديد، لعله سيبدا قبل عام 2025م