اليمن السعيد لم يعرف السعادة منذ امد طويل. ولكن كل ما عاناه قد يكون كله قليلا امام ما ينتظره. فليس التصريح الذي سمعناه قبل فترة من ان اليمن قد تحل محل افغانستان بالنسبة الى نشاط القاعدة،الا انذارا لا يجوز اخذه الا على محمل الجد. ذاك ان طبيعة اليمن الجغرافية والقبلية والمذهبية، وتاريخه الحديث،تجعلانه بيئة صالحة لذلك، والمقدمات التي تحاك منذ سنوات عبر التمرد الحوثي وعبر الكثير من العمليات التي حصلت على ارضه تهيؤه لان يكون قنبلة عنقودية.
غير ان الاحتقان الاخطر هو ذاك الذي تشكل عبر مسالتين: اسلوب التعامل بين الشمال والجنوب منذ التسعينات، والفساد المالي والاداري والامني الحكومي.
العلاقة الشمالية – الجنوبية، عشتها عن قرب طوال عقد التسعينات، فصفقت مع من صفق للاتجاه الوحدوي، وللتنازل الايجابي الذي قدمه علي سالم البيض وجماعته لاجل تحقيق الوحدة. كما هللنا للتوجه نحو اقرار ديمقراطية حزبية على مجمل الساحة اليمنية. ففي بداية التسعينات بدا ان اليمن تسلك الطريق الحقيقي نحو التحول الديمقراطي، عندما اطلق حرية تشكيل الاحزاب السياسية، التي تجاوز عددها العشرين ( وقد اعددت يومها ملفا عنها من 13 حلقة ) تبينت خلال العمل عليه ان جدلا فكريا وسياسيا حقيقيا ينطلق في الفضاء العام، مما يؤدي – على المدى البعيد الى تشكيل وعي سياسي واجتماعي، وخيار مبني عليه يؤسسان لنشوء راي عام.
كان هذه السيرورة شانا مختلفا تماما عن الوهم الذي يصور ان مجرد حصول انتخابات برلمانية هو ديمقراطية، حتى ولو لم يقترن ذلك بحرية العمل السياسي والجدل الفكري.
صحيح ان الواقع القبلي الي يشكل اليمن كان معروفا ومستعصيا على التغيير المنظور، لكن التطوير البطيء كان ممكنا. رغم انه لم يكن من الصعب على من يزور الشيخ عبدالله الاحمر ان يدرك ان قبيلة حاشد اقوى من الدولة،( لتاتي بعدها القبائل الاخرى: عايد وبعض الاطراف الصغيرة التي لا قيمة لها ). لكن التعددية كانت موجودة، ولك ان تتعرف الى اجواء المثقفين العروبين في مقيل عبد العزيز المقالح، واجواء السياسين القوميين في مقيل قاسم سلام، واجواء السياسيين الوحدويين الحداثويين في مقيل يحيى العرشي، وقدماء المناضلين ضد الامام في مقيل احمد المروني اوا برهيم الحضراني، وتوق النساء للتحرر لدى بلقيس الحضراني او امة العليم سوسوة او حتى في نمو تطور الجامعة برئاسة عبد العزيز المقالح. كانت البلاد تبدو واعدة في كل مجال حتى ولو ظلت القبلية كامنة وراء الاحزاب من بعث وناصريين وقوميين واسلاميين واشتراكيين الخ…
وعد كان كبيرا في تلك البلاد التي اطلق عليها ادونيس بحق اسم: ” المهد ” والتي تكتسي فيما يتعدى الشعر اهمية جيوبوليتيكية وجيواقتصادية استثنائية بالنسبة للخليج العربي، لافريقيا، ولاسيا.
ويكفيك ان تنظر الى الخريطة لترى كيف تشكل هذه البلاد وبحارها مفتاحا اساسيا لكل تحرك عسكري وسياسي واقتصادي في هذه المنطقة. اما اذا عبرت الى التاريخ واكتشفت اية شبكة طرق قوافل كانت تحكمها اليمن بريا، وشبكة اخرى كانت تحكمها بحريا، لادركت لماذا لا يمكن للغرب ان يتركها وحالها، هي التي تتمتع باطول واغنى شواطىء بحرية عربية، واغنى معابر الى منافذ اقليمية ليس اقلها مضيق هرمز.
غير ان الجغرافيا لا تكفي وحدها لصيانة الوعد وضمان مستقبله. وكذلك التاريخ، بشقه الماضي. ثمة حاضر، هو الذي يصوغ نفسه ويصوغ المستقبل، وهذا ما انتكس انتكاسة كبرى في نهاية التسعينات. انتكاسة بدات بتحول الوحدة التي تحققت ديمقراطيا وبرضى وقناعة تامين، وفرح يشحن الجميع ايجابيا، الى حالة تفرض قسريا، وبابشع انواع العنف الذي لا ينتج الا القهر بكل تداعياته السلبية. لم يتصرف الجيش الشمالي ومن سانده قبليا في جنوب اليمن كما تتصرف حكومة مع شعبها بل اسوا مما يتصرف جيش مع عدو – وقد شهدت ذلك ايضا. وما ان استقر القهر حتى تداعى الفساد، لان غياب التعددية هو المدخل النموذجي للفساد، وبحلول الفساد حل التراجع في كل المجالات. فهل من المستغرب ان نسمع الان بامكانية انتقال افغانستان الى اليمن؟ اعتمادا على اوضاعها الداخلية، على طوبوغرافيتها الجبلية، على تركيبتها القبلية وعلى موقعها الجغرافي. واستهدافا – بالتالي – لاكثر من هدف منها التحكم بالسعودية عبر الحدود وبايران عبر المنافذ، وبعمان وسائر الخليج العربي، هذا عدا عن افريقيا ومصر التي لم يكن من الصدفة ان يمتد اهتمامها باليمن من حتشبسوت الى عبد الناصر.
وهل من المستغرب ان يكون هذا النشاط ( القاعدي ) مدخلا لاحتلال اميركي لهذه الدولة الستراتيجية على كتف العالم، بعد سقفه.