حروب الغاز المتوسطية.

صحيفة الشروق، 23-03-2009

في حديثه لبرنامج زيارة خاصة على قناة الجزيرة كشف الرئيس اللبناني السابق ايميل لحود عن جملة من القضايا  الداخلية والخارجية بشكل انما هو اقرب الى الفضائح. واذا كان الرئيس الذي حظي بشرف ان يسجل له التاريخ ان التحرير حصل في عهده، قد تحدث بصراحة لم نعهدها ابدا من السياسيين الذين يحرصون دائما على حفظ خط الرجعة، كما يقول المثل، فذاك لسبب  واضح وهو ان يد الرجل بيضاء بحيث لا يضطر الى اخفائها وراء ظهره.

الكثير من الامور التي كشفها كانت تدور وشوشات واحيانا اتهامات هنا وهناك، غير ان المسالة المفاجئة كانت تلك القصة التي رواها عن زورق بحري فرنسي كان يروح ويجيء امام الشواطىء اللبنانية، وعندما لاحظته قوى الجيش ونقلت الامر للرئيس علم انه زورق فرنسي يتجول في المياه الاقليمية اللبنانية بالاتفاق مع الرئيس المرحوم رفيق الحريري  بحجة المساهمة في الحافاظ على الامن في لبنان. وبما ان لحود هو اصلا ضابط بحري ( مهندس بحري ) فقد استدعى قائد المركب وطلب منه الخرائط التي بحوزته، وكانت المفاجاة انه اكتشف انها خرائط  بحث عن مواقع وجود الغاز الطبيعي، التي يفترض ان تشكل امتدادا لحقل الغاز الموجود على الشواطىء السورية. اذن لبنان، البلد الصغير يمتلك الغاز، الثروة الطبيعية التي قد لا تكون بحجم الغاز القطري او الروسي ولكنها في بلد صغير كلبنان، وله مقومات اقتصادية اخرى قد تكون عاملا حاسما في وضعه الاقتصادي. فاين اصبحت المسالة؟

وبالامس، كتب المهندس علي حتر مقالا علميا طويلا موثقا عن وجود الغاز على شواطىء غزة، على مسافة 36 كيلومترا ( هذا هو المكتشف منه بكميات تجارية  ) وامتياز التنقيب عنه على مسافة 1000 كيلومتر مربع  اعطته السلطة الفلسطينية  لشركة بي جي بيرتيش غاز بالتعاون مع شركة سي سي سي.  المبلغ الذي حصلت عليه السلطة مقابل التوقيع على العقد ظل غير معروف، اما حصتها بعد الاستخراج فستكون 10%.

الغريب في الامر ان حتر يكشف عن ان هذا الامر معروف منذ الاربعينات، وان مسلم بسيسو كان واحدا من الذين كتبوا عنه، والسؤال: لماذا  يغمره الصمت المطبق؟

كي لا تنتبه له اسرائيل؟ لا فالصحافة الاسرائيلية  واساتذة اقتصاد دوليين يكشفون النقاب عن خلاف اسرائيلي حول الموضوع: من يريد شراءه، ومن يرفض معتبرا انه ملك  الدولة العبرية، لكن الطرفين متفقان على منع بيعه لطرف اخر. بدليل ان مفاوضات حصلت مع مصر عام 2006 وتدخل توني بلير (صياد نفط العراق الذي تحول الى موفد دولي ) بالنيابة عن اسرائيل،  لمنعها.

وفي عام 2007  وجدت حكومة اولمرت الحل، تشتري الغاز  باربعة مليارات دولار، من الشركة لا من السلطة، وتدفع حصة الفلسطينيين(10% ) لدى الشركة بضائع وخدمات عينية لا اموالا. المفاوضات فشلت، لكنها استؤنفت مع قبل ثلاثة اشهر من العدوان على غزة.

واذا كانت نظرة بسيطة الى الامتداد الجغرافي للبحر المتوسط، وشواطئه العربية تقول ان ما يوجد في جزء لا بد ان يوجد في اخر، وقد بتنا نعلم ان شريط الغاز  يلوح الان من سوريا الى لبنان الى غزة الى مصر، فان اسئلة كثيرة تلوح منها: هل يمكن ان يغفل الغرب وشركاته واسرائيل عن هذه الثروة؟ هل ستكتفي اسرائيل بالموجود منها على شواطىء حيفا ويافا؟  وما الذي ستجنيه الشعوب في هذه الدول من هذه الاكتشافات؟  لماذا كان رفيق الحريري يخفي حقيقة المركب الفرنسي تحت غطاء تمويه الامن؟ وهل كان  كشفه وايقاف عمله احد اسباب الحقد الفرنسي على اميل لحود؟ هل كان لذلك دور في حرب 2006  ولا ننسى ان ابرز ما في هذه الحرب اغراق السفينة الاسرائيلية  بصواريخ المقاومة؟  واخيرا هل كانت حرب غزة، كما حرب السودان، حلقة من معارك السيطرة على الطاقة، كما يعتبر استاذ الاقتصاد  الكندي ميشال سودوفسكي؟  وما الذي ستكون عليه الحلقة المقبلة؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون