هو الرد. لا، قاله الناخب الاسرائيلي للمبادرة العربية، قبل ان يقول نعم للمرشحين الذين تنافسوا على صوته. وهم كانوا يعرفون ذلك فتنافسوا بابداء التشدد والعنصرية. اختلفوا على تفاصيل البرنامج السياسي ولكن احدا منهم لم يخرج عن خطوطه العريضة. وظل الفارق بينهما ان فريقا يقول بالعنف ويفعله، واخر يراوغ بالسلم وينفذ العنف باقسى مما اعد اخيه.
كان نتنياهو يبدو اشدهم، الى ان جاء ليبرمان يحطم الرقم القياسي لصاحبه، فلم يدنه الاخر ولم يتهمه بالتخريب، بل تصفح به مجنزرة يمين جديد، لتسير الحملة بقوة اكبر. وكان باراك يبدو الاكثر قسوة وهو صاحب نظرية العمل خلف خطوط العدو، وفي تاريخه صورة الفتاة الشقراء التي دخلت بيروت لاغتيال قادة المقاومة الثلاث، فجاءت ليفني المراة، لتنهش باسنانها واظافرها لحم اطفال غزة مذكرة بانها رضعت حليب الارغون وشتيرن من الابوين معا، ونشات على يد الموساد، وفي تاريخها انها الفتاة الشقراء الجميلة التي نفذت وهي طالبة في باريس عملية اغتيال العالم النووي العراقي الشهيرة.
كل هذا طبيعي لاناس لم يات بهم الى هذه الارض الا ايمان طوطمي غريب عجيب، يقوم على التفوق والدم ,وعلى احتقار الاخر ونفي وجوده.
كل هذا طبيعي لناس اخترعوا وجودا غير شرعي، وعلى اشلاء الاخرين، ولا يمكنهم الحفاظ على بقائه اذا لم يقاتلوا باظافرهم واسنانهم.
لذايتقاتلون بحدة، ولكنهم ما ان ينتهون من معركة الخيار حتى يلتفون حول انفسهم من جديد، وها هو نتنياهو يدعو الى الوحدة الوطنية العريضة، التي لاتعدم اساسها القوي. ويعطون بذلك درسا بليغا للعرب وللفلسطينيين بشكل خاص.
من جهة اخرى يعطون درسا اخر للمراهنين على التغير في الادارة الاميركية، اذ لم تبدو اول تجلياته انحيازا الى الهوء لدى الصهاينة،بل على العكس من ذلك، نمو التشدد السياسي بعد ان ترك المجال طليقا لتنفيذ المجزرة العسكرية في اخر ايام رئيس راحل، حتى لا يتحمل وزرها الرئيس الجديد، اولا: لانه جاء لكي يغير صورة اميركا العنف التي تكونت سوداء منذ مطلع التسعينات، وعليه فلايراد لغزة ان تسبغ عليه طابع التشدد والانحياز، ولا ان تلقي على صورته بصمات من الدم يحاول جهدهلان اي ان يمحوها عن وجه اميركا ويقصرها على وجه جورج بوش الرجل وادارته، ولذا لم يكن المطلوب منه اكثر من الصمت وترك الجيش الاسرائيلي ينفذ فعله وادارة بوش تتحمل وزره.
وثانيا لانه من غير المطلوب احراج من يسمون بالمعتدلين في التعامل مع الادارة الاميركية الجديدة، وترك المجال لهم، لان يقولوا: هذا غير ذاك، ونحن نضع ايدينا بقوة هذه المرة في يد غير مضرجة بالدم. دون ان يؤثر في ذلك كون هيلاري كلينتون اكثر تشددا وقوة من كونداليزا رايس.
كل ذلك في حين تكتمل الصورة على الخريطة الاعلامية، وترتسم الشبكة المثلثة الاضلاع: تركي – ايراني – اسرائيلي فوق وجه المنطقة العربية. ليكون الرهان هو رهان موازين القوى والمصالح بين كل هؤلاء، عندما يحين وقت الطاولة، بل وحين تهيا الامور من تحت الطاولة الى حين نصبها او عدم نصبها. واذا كانت الجغرافيا تفرض هذا التشابك الاقليمي الطبيعي، فما هو غير طبيعي هو ان يكون العالم العربي الضخم بكل الابعاد، مجرد ساحة لكل هؤلاء، وان يركض زعماؤه متسولين هنا وهناك، لا حيلة لهم الا التعلق بذيل تنورة ما. اما حديث الوحدة الوطنية العريضة، فليس من يقلد فيه نتنياهو على الاقل، لا على مستوى الوطن العربي ولا على مستوى اوطاننا الصغيرة. لكانا كعرب لا نعرف الا حلين: اما ديكتاتورية ترسم وهم وحدة وطنية في حين تتسلل من ثقوب الاكذوبة الاحقاد و المعارضات المستعدة للتعامل مع العدو، واما شبه تعددية تعيدنا الى حروب القبائل الاكثر دموية من حروب الاخرين، والى عصر ملوك الطوائف المتحلف بعضهم مع العدو ضد الاخر.
هذا الصباح فتحت التفزيون المصري، فوجدت اغان تركية، فابتسمت وانا استعرض في ذهني عدد اللغات التي نغني بها، في حين ان النشيد الوطني لا يكون الا بالعربية.