من الشرق ومن الشمال

صحيفة الشروق، 09-02-2009

لم يعرف العالم امراة تتباهى بشعرها كما في التراث العربي، ولم يغن احد للجدائل كما فعلنا.

غير ان امتنا، وقد  ” سقط النصيف ” وبانت صلعتها لجات الى التباهي بشعر جارتها التركية وبالامس الايرانية…. ورحم الله اياما كان الانعزاليون المسيحيون او الاتنيون  هم وحدهم من يتسول امومة دولة اجنبية.

مرة ثانية عدنا الى القرن التاسع عشر وما سمي ب ” بمعاهدة الامتيازات الاجنبية ” التي  شرعنت رسميا ربط كل طائفة بدولة، ولكن الفارق ان الرجل المريض الذي نظمت هذه المعاهدة لتوزيع ارثه قد عادت اليه العافية، وراح يستعيد دوره ضمن معادلة جديدة اضيفت ليها اسرائيل هذه المرة. اسرائيل التي رفض السلطان اعطاءها ارضا في فلسطين فشاركت  في تنظيم قلبه. ورضح احفاده للامر الواقع ووقعوا معها معاهدة تعاون ستراتيجي.

مرة اخرى عاد القادمون من الشرق او القادمون من الشمال، سواء كان اسمهم الساسانيون او الفرس، البزنطيون او الاتراك، الى تقاسم النفوذ على ” المقاطعة العربية”  الممزقة، ولا يقولن اعمى ان اولئك وثنيون ومسيحيون اما هؤلاء فمسلمون، لان الدين لم يكن يوما في التاريخ قوى من الجغرافيا ولا من مصالح الامم. فهل منع يوما اوروبا من ان تخوض حربين جرت العالم كله وراءها فيهما؟

جارتانا يقودهما رجلان يتشابهان حد الغرابة، ويختلفان عن حكامنا حد الغرابة: كلاهما جاء من اسرة بسيطة بل وفقيرة، وكلاهما صعد سلم حزبه حتى اصبح عمدة عاصمته، ومن ذلك المنصب اشتهر بنظافة اليد حد التقشف، ومن هناك تابع صعوده ديمقراطيا حتى سدة الحكم. كلاهما اسلامي، ولكن كلاهما قومي متحمس، فخور بامته وبتاريخها وطموح لمستقبلها.

غير اننا ونحن نعجب بهما، ننسى انهما ليسوا لنا، ولا منا، وان شعبيهما قد انتخباهما ليحققا بشكل افضل مصالح تركيا ومصالح ايران لا مصالح العالم لعربي، التي قد تلتقي مع الاوليين وقد تختلف.

ولان علاقات الدول علاقات مصالح، فانه من الغباء ترك اية فرصة لتحالف او تقارب دون استغلالها، والبناء عليها. او ترك اي موقف يتخذه جار او صديق لصالحك دون تقدير ومبادلة. دون ان يسوقنا قصر النظر الى فهم ذلك من باب التوافق الديني او المذهبي.

لقد نجحت المقاومة اللبنانية في اقامة معادلة مع ايران ، انت بحاجة الى قوة ردع على حدود اسرائيل تمنع هذه من توجيه ضربة للمفاعل النووي الايراني، ونحن بحاجة الى من يساعدنا على تحرير ارضنا، ونجح الرهانان معا، فيما لم ينجح على الساحة العراقية مثلا. كما نجحت القوى اللبنانية الواعية في سحب المنسوب المذهبي العالي من هذا الاصطفاف عبر تحالفات المعارضة اللبنانية على اختلاف اطيافها، مما بدا يحول العلاقة مع ايران الى علاقة مع الدولة، توازن فيها هذه الاخيرة مع علاقاتها بالاخرين.

واذا كانت الحقنة الفاعلة من المد المذهبي التي دفعها المخطط الصهيوني الاميركي في شرايين المسلمين، والممارسات الخاطئة التي حصلت في العراق، قد جعلت السنة العرب يشعرون باليتم، ويبحثون عن الام القديمة، فان المطلوب هو الا ينسى احد ان مضمون العلاقة مع تركيا الجديدة يجب ان يقوم على قاعدة معادلة مصالح كتلك التي حصلت في لبنان. معادلات لن ننجح فيها معا، ولن تؤدي الى مصالح امتنا، اذا لم ننتبه الى اننا امة لا اديان ومذاهب،امة تنشد الكرامة والحرية لا تبعيات  تتسول التبني ، وان الاخرين هم جميعا كذلك.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون