صناعة الرمز

صحيفة السبيل، 25-01-2009

ما بعد غزة، ليس فقط  ممارسة اللعبة السياسية على المستويات العليا والغرف الرئاسية المقفلة.

ما بعد غزة فرصة للافدة من دمائنا باقصى ما يمكن على المديين القريب والبعيد، واذا كان اهم تغيير احدثه هذا الفصل الجديد من الماساة، هو عودة الشارع العربي الى التحرك وعودة القضية الفلسطينية الى  صدارة اهتماماته، وكذلك الى قائمة اهتمامات الشارع الدولي، فانه لا بد من ابتكار اساليب جديدة كي لا تكون هذه الهبة هبة موسمية، تهدا في انتظار ماساة ثانية.

ثمة اساليب كثيرة، منها ما يكون تاثيره بمثابة  الري بالطوفان كما هو ري فيضان النيل، ومنه ما يكون تاثيره بالري بالتنقيط، وهي الطريقة التي اثبت علم الزراعة فعاليتها القصوى. اقول ذلك وفي ذهني نموذج تاريخي ولا اشهر، هو ما يسمى بمذكرات ان فرانك، هذا الكتاب الذي لا يجهله اي انسان في الغرب، وبالتالي لم يسلم من تاثيره اي ضمير.

مذكرات ان فرانك هو عبارة عن كتاب قيل ان فتاة يهودية كتبته في المعتقلات النازية، وقد صيغ بطريقة لا يمكن ان تترك من يقراه محايدا. ثم ترجم الى جميع لغات العالم، وتداوله منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مليارات من البشر. وذلك رغم الدراسات الكثيرة التي اثبتت بكل الوسائل العلمية انه ليس مذكرات حقيقية، بل انه كتب بعد انتهاء الحرب  لغايات التوظيف، وان مضمونه يتضمن الكثير من المغالطات التي ينتبه لها الخبراء والمدققون، وهم لا يشكلون الا جزءا صغيرا من القراء .

واذا ما تذكرنا بالمقابل قصة محمد الدرة، وصورته الشهيرة، لوجدنا انها آتت تاثيرا اعلاميا في المنطقة والغرب فاق تاثير كل احداث الانتفاضة. وذلك بدليل ان القوى الصهيونية لجات قبل عام الى انشاء مؤسسة خاصة سمتها المرصد الفرنسي للاعلام، وتبين ان هدفها كان قيادة عملية طويلة تهدف الى التشكيك بصحة الصورة الشهيرة، ودارت معركة شرسة بين هذه المجموعة وبين مديرة الاخبار في التلفزيون الفرنسي لانهم اتهموها بتزوير الصورة، ووصل الامر حد المطالبة باخراج جثة محمد الدرة من القبر وتحليل الاي دي ان للاثبات، مما رد عليه المدعون، بان الولد قد مات بالفعل ولكن ليس برصاص اسرائيلي.

وليس في ذلك الا دليل على عمق واتساع التاثير الذي احدثته هذه الصورة.

وعليه فلماذا لا يصار، وبسرعة ( قبل ان يبرد الحديد ) الى تكليف شخص او اكثر بجمع عدد من الصور المشابهة، وكتابة قصتها مع شهادات حية من اصحابها ( اذا كانوا مصابين ) ومن شخص قريب او رفيق، خاصة الاطفال في المدارس، وطباعتها  وترجمتها الى عدد مدروس من اللغات الاجنبية ( الاوروبية والتركية والايرانية والاسيوية )؟ ولا باس ان تخصص لها ميزانية جيدة، وان تسبقها دراسة دقيقة ومهنية  كي يكون من يكلف باعداها من المختصين بالصورة وسيميولوجيتها، وبالنص السردي وتاثيراته السيكولوجية، وبالاخراج المتقشف ولكن البليغ فنيا وسياسيا، اضافة الى المعرفة الدقيقة بطبيعة الخطاب المؤثر في الاخر الغربي وغير الغربي، ولا باس من تغييرات قليلة بين  كل من النسخ بحسب المخاطب ، على ن تكون الاهداف ومضامين الرسالة السياسية الموجهة واضحة ومركزة بشكل اساسي على جانبي الحقوق الوطنية وخاصة موضوع الارض، وحقوق الانسان، والجرائم ضد الانسانية.

الانسان مركب من عقل ومشاعر وسيكولوجيا ولا بد لمن يريد نجاح خطابه وبالتالي قضيته ان يخاطب الاثنين معا.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون