ويلدغون من الجحر مرار ولا يرتدعون. وقبلهم لدغ غيرهم امام اعينهم، فنسوه. ونسوا انهم، ان لم يلتحموا بشعوبهم وقضاياها تحولوا الى مجرد احجار شطرنج من البلاستيك، محدودة الصلاحية.
نسوا يضا ان المخططات الكبرى للدول الكبرى، وللقوى الاستعمارية والاستيطانية الصهيونية، لا تاخذ في اعتبارها الانظمة او الحكام بل الدول والشعوب والامة. لا تطمئن لجانب مصر لمجرد ان حكومة مصر الحالية تسير في ركابها، ولا تطمئن لجانب السعودية لمجرد ان الحكم السعودي يسير في ركابها، ولا تطمئن حتى لاصغر الدول العربية لمجرد انه وفقت في جعل الحكم رهينة في يدها. لان هذه القوى الدولية والصهيونية تعرف ان الرهان الستراتيجي التاريخي، في اية قضية، هو ذاك الذي ياخذ القضية في مداها البعيد الذي يتعدى مدى عمر الفرد الواحد او حتى عمر فرد ووريثه. لذا فان المطلوب تطويقه وتطويعه وشل فعاليته هو الشعب في حاضره ومستقبله، سواء في داخل كل كيان من كياناته السياسية التي رسمها الاجنبي او على امتداد الامة التي يظل تقسيمها وزرع الفرقة بين اطرافها هدفا وشرطا اساسيا للعدو.
لذلك تستعمل الحكومات المتخاذلة اداة لتطويق البلد والشعب، فتنفخ كالبالون اذا ما اقتضى هذا التطويق ذلك، وتنفس وترمى الى الخلف اذا ما اقتضى الامر ذلك. وهكذا مورست جميع الاغراءات والضغوط والتنويم المغناطيسي على القيادات العربية كي تسكت عن محرقة غزة، التي ان هي الا محاولة لتصفية القضية الفلسطينية والقضية العربية باكملها، او بالاحرى ليساهم بعضها في التامر، وعندما اقتضت المصلحة الاسرائيلية الاميركية المشتركة وقف الحرب، ذهبت الشقراء الاسرائيلية الى السمراء الاميركية واتفقتا على امر لا يحكم غزة بقدر ما يحكم مصر، دون ان تلتفتا الى ما يستر عورة الحكومة المصرية، بشان السيادة الوطنية المصرية نفسها.
هكذا، كما التقت المصلحة الاسرائيلية مع المصلحة الاميركية في حرب تموز 2006 ضد المقاومة اللبنانية، ويومها ايضا استعمل هذا التحالف اتباعه انفسهم من العرب، ومن اللبنانيين، وعندما انتهت الحرب، وجاءت بعدها احداث ايار 2007، تخلى التحالف الشيطاني عن جماعته، جماعة 14 اذار، ولم يدعمهم حين خسروا المواجهة مع المعارضة.
واليوم انتهت المحرقة بموت شهداء غزة، بدمار ممتلكات غزة، باعاقة الكثيرين من الغزاوين، لكن ذلك كله لا يعني الهزيمة على المدى الستراتيجي، فلم يحصل ان نجحت مقاومة في التاريخ الا بثمن النار والموت والدمار.
لكن المعركة انتهت بهزيمة خطيرة لمصر، وللعالم العربي كله، يتجنب الكثيرون الحديث عنها، ومن تحدث فبخفر، ودون توضيح اثارها المستقبلية الخطيرة. لكان الهدف الرئيسي من معركة غزة كان انزال الاساطيل الاطلسية مقابل الشواطىء المصرية، وتطويق بلاد النيل ( وبما فيه بعدها السوداني )، هذا اذا لم تنجح الولايات المتحدة في انزال مراقبين على الاراضي المصرية، مما لا يعني الا وضع مصر تحت الانتداب من جديد. والتحكم في اي تغيير مستقبلي يحصل بعد موت حسني مبارك، او حتى قبله.
ولا يغير من ذلك شيئا القول بان وجود هذه القوات الاطلسية الاميركية موجه اساسا ضد ايران.
افلا يذكرنا ذلك باستغلال واشنطن للحرب العراقية الايرانية، لنشر اساطيلها في الخليج العربي، ومن هناك شنت بعد عقدين حرب احتلال العراق؟
الم تقل معاريف يوم احتلال العراق ان مصر هي الهدية الكبرى؟
الم يعد هناك من يقرا لا التاريخ ولا الصحف اليومية ؟