اربعون عاما !
رقم يتدفق ذكريات مثله مثل كل رقم من العشرية، والتاريخ دائما ولاّدة كبرى تضع اطفالا جميلين لهذا ومشوهين لذاك، اصحاء لهذا ومعتلين او مرضى او موتى لذاك.
وقفوا صفا مرصوصا، حول رئيس الولايات المتحدة، رواد الفضاء الاميركيون، في الذكرى الاربعين لنزول اول شخص على سطح القمر. لم يكونوا فرحين، ولم يبد عليهم الاعتزاز الكبير الذي نتوقع، وجاء التفسير: انهم محبطون لان علم الفضاء ومؤسساتهم لم يلبوا طوحات هؤلاء الرواد بالاستمرار في تطوير رحلات ماهولة الى الفضاء، بل استعاضوا عنها بروبوتات الية واجهزة تقنية متقدمة يمكنها ان تفعل ما يفعله الانسان دون ان تحتاج كلفة الوقت والتدريب والتمويل التي تحتاجها رحلة بشري واحد.
باختصار الرواد محبطون كاشخاص لكن العلم الذي افتتح بهم مرحلة جديدة من تاريخ الانسانية مستمر وينتقل من انجاز الى اخر. كما ان المشروع الذي وضعته بلادهم، وخاضت لاجله تجارب كبيرة وصعبة – لم يكونوا هم الا جزءا منها – قد نجح ووصل الى اهدافه. كانت الولايات المتحدة تدخل بابنائها الرواد هؤلاء حلبة السباق على الفضاء مع الاتحاد السوفييتي، وكما في كل المجالات ارادت ان تحقق تفوقها لتنهي الحرب الباردة لصالحها، وتتفرد بعش العالم. وحصل.
واقع اذا ما وقف امامه هؤلاء الرواد، لادركوا عظمة المهمة التي حققوها لبلادهم، ولمشروعها، ولما احبطوا.
اربعون عاما – 1969- وبقية من رواد اخرين، في مكان اخر من العالم، اسمه العالم العربي يقفون كل في مكان – لا يملكون ترف الاجتماع على منصة واحدة حول رئيس واحد – وينظرون الى مشروعهم، مشروع بلادهم الذي كانوا فيه ما كانه ارمسترونغ في اميركا، ويصرخون باحباطهم. منهم من يقتعد الارض منكفئا، ولكن الاخرين، وهم الاكثر، يدورون ويجولون صارخين: يمكن استبدالنا، حتى ولو بانسان الي او جهاز تكنولوجي، ولكن لا يجوز ابدا الغاء المشروع بكله.
هكذا صرخ فاروق القدومي، ومعه الكثيرون من رواد المقاومة الفلسطينية، من نجا منهم من مؤامرات التصفية التي لم تطلهم الا لتصل الى تصفية قضيتهم. وهكذا صرخ بالامس رفاق عبد الناصر في ثورة 23 يوليو، ووراءهم كل من الهمتهم تلك الثورة، وهم يرون الاحتفال بها يتحول الى منصة لبنيامين نتنياهو. وهكذا صرخ احفاد الحاج امين الحسيني وهم يرون ليبرمان يوزع صورته مع هتلر لتبرير تهويد القدس، دون ان ينبري احد للقول بشجاعة، ان زعماء العالم كله كانوا يلتقطون الصور مع هتلر، بما فيهم المسؤولون الفرنسيون الذين استقبلوا وزير حارجيته في بلادهم قبل الحرب بقليل. لم يكن هتلر قاطع طريق، ولم يكن يعيش في كهوف طورا بورا، كان رئيس دولة، كما كل الرؤساء، ولم يتحول الى بعبع الا بعد الحرب، وتحديدا الا بعد ان خسرها. كان العالم كله منقسما الى قطبين، والسيء انهما حولوا ذلك الى حرب، وككل الحروب تؤدي نهاياتها الى اعتبار المهزوم تهمة. هكذا يصرخ مناضلو الحركات الوطنية ( من يسارية وقومية ) في لبنان، وهم يقرؤون في الصحف، ببساطة، ان تشكيل الحكومة لن يتم قريبا لان العاهل السعودي في اجازة في المغرب، وسيمضي بعدها الى اجازة في اميركا. هكذا يصرخ كل الرواد الذين كانوا يعيشون مشروع الصعود الى فضاء الحرية والوحدة في مختلف ارجاء العالم العربي، وبات اصعب ما يناضلون ضده الان هو الاحباط.
انها اربعون سنة في سياق مرحلة نهوض لامة، واربعون سنة في سياق مرحلة تخبط اقله صعود واكثره هبوط لامة اخرى.