الدرس

شؤون دولية، 19-01-2009

ليس في مصلحتنا، ولا في منطق علم الاجتماع السياسي، ولا في ابسط نتائج المقارنات التي يمكن ان يسقطها حدث على سائر الاحداث في العالم، ان ننبري للصراخ والتهويل كلما نشات ازمة داخل دولة ما، حتى ولو كانت الازمة المعنية تخص مجموعة من اصول اسلامية.

فمن بديهيات التحليل السياسي المؤدي الى اتخاذ المواقف، ان سبحث المرء عن مكونات اي تحرك، وعناصر اية ازمة قبل ان يعبر عن ردة فعله الانفعالية تجاهها، وقبل ان يكرر بشكل ببغائي ما تردده وسائل الاعلام الاجنبية حولها. والاهم ان بحث عن المحرضات الحقيقية التي تعمل في الخفاء محركات هيدرولية لحركتها.

فبالامس كانت نيانمار، واليوم شينغ يانغ. ازمتان تشهدهما الصين، وعند مفاصل معينة مهمة في السياسة الدولية.

وبالامس كما اليوم بادرت وسائل اعلامنا، خاصة الفضائيات الى ترداد خطاب الاعلام الغربي، لا على صعيد الكلمة والخبر فحسب، بل وعلى صعيد الصورة الاكثر تاثيرا. ولم يشر الا الندرة الى امرين اساسيين:

  • النفط
  • الظرف الدولي الذي يمر بفترة تحتاج فيها الولايات المتحدة والغرب الى الضغط على الصين
  • السياق العام الذي تعتمده السياسات الغربية عموما، اوروبية واميركية، في اذكاء كل النعرات العرقية والدينية على امتداد العالم غير الغربي، في حين تجعل من اي ذكر لهذه الانتماءات داخل مجتمعاتها، جرما يعاقب عليه القانون بتهمة العنصرية، وبتهمة اكثر حداثة هي الارهاب.

لم نسمع ولم نقرا الا نادرا انشينغ يانغ هي من اكثر مناكطق الصين غنى بالنفط، في وقت يشهد فيه العالم ازمة تتمركز في نقص في انتاج هذه المادة الاساسية: اما نقص بسبب النفاذ وانما نقص بسبب رفض زيادة الانتاج. والساحة الوحيدة التي يمكن ان تعوض هذا النقص حاليا هي الساحة العراقية، التي لا يستطيع احد ان يضمن ما اذا كانت ظروفها الامنية ستسمح بذلك. وايا يكن الامر فان التنافس يبلغ اشد بين الشركات الغربية المتعددة الجنسيات وبين الشركات الصينية التي دخلت المنافسة حتى في العراق.

اما الظرف الدولي فينفذ الى اكثر من حاجة وساحة: كوريا الشمالية، افغانستان وباكستان، العراق، وايران. هذا عدا عن النزاعات على افريقيا وفي الغرب نفسه. مما يجعل واحدا من اهم بنود السياسة الخارجية الاميركية، خاصة في المرحلة الحالية البحث عن وسائل ضغط على الصين، افضلها ذاك الضغط الذي يمكن تشكيله عبر ازمات  في الداخل يتم توظيفها عالميا.

النقطة الثالثة والاشد خطرا ان منطق الانفصالية، او حتى تحديد الانتماءات على اساس الدين او العرق، بدلا من الانتماء الوطني، هو اخطر قنبلة موقوتة يمكن ان تزرع في اي مجتمع من مجتمعات العالم. انه المنطق الذي كلف اوروبا – وكلفت معه شعوب الارض – حربين عالميتين بنيتا على مبدا العرق، وعقود من الحروب الدينية سواء داخل القارة او خارجها مع الصليبيين وغيرهم. والنتيجة؟ تعلم الغرب الدرس. تعلم ان هذا المنطق ان هو الا الدمار المميت، فحظره باشد الوسائل على ارضه. وامسك به سما زعافا يدمر به المجتمعات التي يريد السيطرة عليها. اقر في دوله مبدا المواطنة، وحقوق المواطن، وسن القوانين التي تشرع الغرامات والسجن واشد العقوبات بكل من يثير نعرة عرق او دين. واقر للاخرين – ونحن في طليعتهم – مبدا الاقليات والاكثريات، الاعراق والاديان والمذاهب، يمسك بخيوطها ويحرك متى شاء ما يزرعه من احقاد واطماع على اساسها.

افلا يحق لنا ان نتساءل: لماذا لا تحرك حيوط مسرح الدمى في كل ازمة من هذه الا انطلاقا من الولايات المتحدة الاميركية وبمساعد مخرج او مخرج منفذ في اوروبا؟

ثم، والسؤال الاخطر بالنسبة لنا نحن: اذا ما قبلنا بمنطق العرق والدين لتكوين الجماعة والحقوق المترتبة عليها، فبماذا نقارع الصهيونية اذن؟ وكيف  نحتج على يهودية دولة اسرائيل؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون