لم تقف الامة كلها الى جانب حماس في هذا العدوان الاسرائيلي، كما انها لم تقف الى جانب حزب الله في عدوان تموز على لبنان، بل ان الجميع وقف في قلب التحدي المراهن على مستقبل فلسطين كلها وبالتالي العالم العربي كله. كلنا مستهدفون، بحياتنا ووجودنا ومستقبل اولادنا واحفادنا، فعلى هذه الارض احتمالان لا ثالث لهما: اما ان تحيا اجيالنا بكرامة وسيادة كما عاشت منذ فجر التاريخ، واما ان نتحول الى عبيد للمشروع الصهيوني الذي لا يقتصر على فلسطين.
ولذا فان هذا الرهان الوجودي الشامل هو الذي يحرك ايضا الى جانب القوى الشعبية العربية، قومية ويسارية وليبرالية واسلامية ، دائرة ثانية تتالف من جمهور من القوى الشعبية الاسلامية خارج العالم العربي، ودائرة ثالثة تتالف من قسم من القوى الشعبية على سائر الساحات العالمية، هو القسم الذي يحركه امر من اثنين: اما الموقف المبدئي ازاء الحق والعدل، واما الموقف السياسي المناهض لهيمنة الولايات المتحدة، ولهيمنة اللوبيهات اليهودية.
غير ان ثمة فارقا لا يجوز ابدا الخلط حوله وهو ان موقف المسلمين والاجانب هو موقف يستحق الشكر، كما يشكر كل كل اخر يتعاطق ويؤازر، في حين ان موقف الجماهير العربية بعامتها ومثقفيها وعلمائها ورجال دينها ( على اختلافهم )، هو موقف يستحق التحية ولكنه لا يحتاج الشكر، لانه موقف مع الذات، واداء لواجب التخلف عنه خيانة، وفي احسن الاحوال تقاعس، فماذا نقدم نحن في بيوتنا الدافئة وعلى مادبنا واسرتنا، وحتى عندما نتعرض لبعض البرد في الشوارع، مقابل ما يقدمه اخوتنا في غزة وبالامس في لبنان، للدفاع عن مستقبلنا وكراماتنا؟
من هنا لم يكن المناضل خالد مشعل بحاجة لان يشكر احدا من العرب، فهل يراد لمواطن لبناني اوسوري او اردني ان ينتظر الى وصول السكين الى غرفة نومه؟ وهل كان لمواطن مصري ان يتقبل تقزيم دور مصر وتحويله الى دور متواطىء مع العدو؟ وهل يمكن لمواطن خليجي ان يرضى خانعا بتحويله – بواسطة ثرواته نفسها – الى عبد للاجنبي وللاسرائيلي؟ وهل كان لعالم كالشيخ القرضاوي، وامثاله، ان يقفوا مكتوفي اليدين امام مصير الامة؟ مصير نعرف كلنا ان نار تحويله الى رماد تنتقل منذ ستين عاما من ساحة الى اخرى على ارض معركة واحدة، ومن معركة الى اخرى في سياق حرب واحدة.
بالامس كان المطران عطا الله حنا يوجه نداءا، من على شاشة المنار، لجميع المسيحيين في العالم، قائلا ان من يؤمن حقيقة بالمسيح وتعاليمه، يعرف ان في مقدمة هذه التعاليم الوقوف الى جانب المظلومين والمستضعفين، الى جانب العدل والحق. لكن المطران المناضل كان واضحا في انه لم يقصد بذلك المسيحيين العرب لانه يتحدث كفلسطيني اولا واخيرا، وهنا لا يميز في المسؤولية بين مسيحي ومسلم.
وقبله كان السيد حسن نصرالله يقول بوضوح ، كم نحن بحاجة اليه!، من على شاشة المنار ايضا: ان ما يهم الاميركي والصهيوني، ليس ان تكون مسلما او غير مسلم: فبالنسبة لهؤلاء المعيار هو: هل انت في معسكره ام لا؟ ” صلوا ما شئتم، صوموا ما شئتم، حجوا ما شئتم ، ولكن قفوا في صف المشروع الصهيوني الاميركي” وسيرضى عنكم هؤلاء. هذا ما قاله السيد الذي عرف كيف يقود المقاومة اللبنانية الى نصرين تاريخيين، ويعرف الان كيف ياخذ على عاتقه الحرب الاعلامية والسيكولوجية في معركة غزة. ولا يجهل احد ان هذا الشق من المعركة لا يقل عن الشق العسكري. الم يعتبر الحلفاء في الحربين العالميتين، الاولى والثانية ان الحرب السيكولوجية التي اطّر الاميركيون نظرياتها وتطبيقاتها، كانت واحدا من اهم عناصر انتصارهم؟ الم تكن ايضا مذ تلقفها اليهود واحدا من عناصر تفوق اسرائيل؟
ولذا فاننا اذ نرفض مفهوم توجيه الشكر، من منطلق مبدئي، فاننا، وقد حصل نستغرب لماذا اغفل خالد مشعل السيد حسن نصرالله، بالذات، وسيادة المطران عطا الله حنا على سبيل المثال، سواء من باب اقرار واقع الامور، او من باب قصدية ترسيخ الوحدة الوطنية العربية، التي لا يجهل احد كم يتهددها الايحاء بشرخ سني- شيعي او مسيحي – اسلامي، شرخان يحفران افتعالا بيد اميركية صهيونية عربية، ولا بد لكل من يريد مقاومة مشروع التصفية النهائية لقضيتنا ان ينتبه له. خاصة وان واقع المواجهة الميدانية على الارض يثبت في كل مرة، من فلسطين الى لبنان، ومن لبنان الى فلسطين ان هذه الشروخ ان هي الا شروخ مفتعلة وهمية يزرعها العدو الذي يريد تدميرنا من داخل، وتدمير خصوصيتنا الجميلة التي تميزنا منذ الاف السنين.