“برلسكوني يضحك والايطاليون يبكون”
وينزل مئات الالاف من البشر الى شوارع روما في مظاهرة غير مسبوقة احتجاجا على سياسة الزعيم اليميني الذي راهن على امبراطورية المال وامبراطورية الاعلام.
اهتزت امبراطورية المال ـ مع الازمة العالمية، واثبت الواقع على الار ض ان سلطة الاعلام على العقول وعلى القلوب – على اهميتها – هي اقل ممما تصور لها عصر الليبرالية. لا شك ان لها ابعادها الكبيرة، ولكن هذه الابعاد تتحدد عندما تصطدم على ما يبدو بمعدة جائعة او خوف الارتماء فيالشارع بدون عمل او بدون سكن.
حصل هذا في ايطاليا، وهو يحصل ايضا في اميركا بدلالة مجريات الانتخابات الجارية ولعنة جورج بوش التي تلاحق ماكين رغم كل محاولات هذا الاخير للابتعاد عنه.
ولكن سؤالا طريفا يتبدى الى الذهن: هل نحن العرب مختلفون عن البشر في ردات افعالنا؟ ولمن يريد ان يعود الى اية صحيفة يومية، في اية دولة عربية، منذ خمسين سنة الى الان، ليرى ان الصفحة الاولى هي ابدا مزينة بصورة رئيس يضحك، بل ان ما يعرف ب ” التعليمات اليومية ” او ” التوجيهات ” التي كانت تحكم الاعلام لفترة طويلة في العدد الاكبر من الدول العربية كانت تنص بوضوح على ان صورة الرئيس يجب ان تكون باسمة مريحة وفي احسن حال. لماذا؟ لان البلد كلها باحسن حال، وبما ان الوطن هو الرئيس اذن فلتكن صورة الثاني معبرة عن الاول. اما الذين بكون من الجوع، والذين يبكون من الحاجة والذين يبكون من التمييز على اشكاله، وحتى الذين يبكون في السجون ومعتقلات الراي ودوائر الاستجواب ومعابر الحدود، فهؤلاء ليسوا من نسيج الوطن ولا يحق لصورهم ان تشوه ابتسامة السيد.
وجاءنا النظام العالمي الجديد، على بساط اقتصاد السوق، وشحبت ابتسامة الاسياد لفترة قصيرة لوح فيها الاميركيون بفزاعة الاصلاح والدمقرطة، لكن الابتسامة عادت اعرض مع الاطمئنان الى ان هذا الفزاعة لن تستعمل الا للتغطية على ارتفاع عدد الباكين من العرب، بل وما يبكي من الارض، حيث اضيف اليهم عشرين مليون عراقي ونيف، لا يطرح من عددهم الا بضع عشرات انضموا الى قائمة المبتسمين، المتصدرين للصحف ولقوائم اصحاب المليارات على خارطة هذا الوطن الجائع.
لكن يبدو ان المشكلة ليست فيهم، فمن الطبيعي ان يبتسم من يتربع على عرش المال والسلطة، خاصة عندما يكون ماله وسلطته هما هما مبادؤه كما يصرح برلسكوني دون خجل.ولكن المشكلة هي ان ثمة من يبكي صراخا مطالبا بحقه، ومن يبكي سرا ويده على فمه خوفا من ان يسمعه احد.