لست خبيرة في الاقتصاد ، ولذلك لم اكتب فيه الا نادرا وفي العموميات . لكنني ككل متابع يعرف ان الاقتصاد كمصطلح مستقل قد انتهى من قاموس العلم منذ كينز وادام سميث ، ليستقر مكانه مصطلح الاقتصاد السياسي ، كنت اقرا خلال الايام الماضية التطورات الخطيرة الذي اصابت الاقتصاد الاميركي ، لتكون بذلك نقطة مفصلية اشبه بتاريخ 1929 في التاريخ الحديث .
ومن هذه الزاوية توقفت بي الملاحظة عند امرين مهمين : الاول ان المفكرين الستراتيجيين الذين يقرؤون التاريخ بعيون كثيرة تنظر اليه من مختلف جوانبه ، كانوا يراهنون منذ سنوات على انهيار الليبرالية الجديدة بشكل سريع . وفي مقدمة هؤلاء ايلي كانتي حامل جائزة نوبل للاقتصاد ، وروجيه غارودي المفكر الفرنسي الكبير ، ومعهم ثلة من امثال عضو الاكاديمية الفرنسية جان كلود روفين والمفكر الاميركي نعوم شومسكي والمؤرخ السياسي البريطاني بول كنيدي لكن احدا لم يكن يصدق هؤلاء على اهميتهم – الا الباحثين العلميين الذين لا تسمع اصواتهم كثيرا في دوائر السياسة والاعلام الخاضعة للوبيهات المستفيدين من الامر الواقع .
ولكن كون هذه الاصوات لم تكن تسمع عاليا لا تعني انها لم تكن تصل الى اذان وعقول اصحاب السلطة الاقتصادية العليا في العالم ، اولئك الذين اطلق عليهم رئيس تحرير لو موند ديبلوماتيك ايناسيو رامونيه لقب : ” سادة العالم الجدد ” اي الشركات المتعددة الجنسيات ، والنخبة العابرة بدورها يضا للحدود والقوميات . هؤلاء الذين لا يهمهم ما اذا انهارت الولايات المتحدة او الصين او جمهورية موز … المهم ان يكونوا هم قد رتبوا امورهم بحيث يستفيدون من هذا الانهيار ، ومن الصعود المقابل في مكمن اخر . ولا بد لنا ان ناخذ بعين الاعتبار ان القوة الاستثمارية اليهودية المتماهية هي من اكثر القوى حضورا في هذه الشريحة لسببين جوهريين : اولهما عدم ارتباط اليهودي اجمالا باية قومية او اية هوية وطنية ، لانه يشعر في اعماق لا وعيه بانه ضيف عليها كلها ، وما عليه الا الافادة منها كلها . وثانيهما ناتج عن الاولى : ان هذا الحس السيكولوجي قد اصبح منظما في اطار شبكة عالمية عابرة فعلا للحدود والقارات ، يكتشف تفاصيلها كل من راقب شبكة توزع الاخوة والعائلة الواحدة على مواقع اقتصادية في دول مختلفة . وعليه يمكن ان نفهم بسرعة بعض الصفقات التي تحكم الافلاسات والبيع والشراء في هذه الازمة كما في سواها .
اما الامر الثاني ، المرتبط سببيا بالاول ، فهو موقع الاستغراب الشديد من خروج الرئيس الاميركي على الملا ليعلن ان الاقتصاد الاميركي في خطر داهم ، وان القادم سيكون اسوا واآيل الى الانهيار ، هو الذي لا تطبع صفة سلوكه وخطابه كما تطبعهما المكابرة التي تصل احيانا حد الوقاخحة الغبية والاستخفاف بعقول السامعين . هو الذي لم يعترف يوما بالفشل في العراق ولا في افغانستان ، ولا حتى في جورجيا . هو الذي لا يعترف باي امر واقع يخالف تمنياته . فكيف اصبح فجاة على هذا القدر من الشفافية ، والاستعداد للشكوى بل وللتهويل بدلا من محاولة تطمين المواطن في الحد الادنى .؟
صحيح ان التفسير الاول قد يكمن في ان المقصود هو اقناع دافع الضراب بتمويل ما ستدفعه الحكومة من مدخراته للشركات ، ولكن سببا اخر يمكن ان يكمن وراء خطابه ، هو المساهمة في عملية اللعبة الهادفة الى تبخيس الثمن تمهيدا للمشتري .