الكسندر وبطرس

صحيفة الشروق، 22-09-2008

بطرس الاكبر في ميناء طرطوس، ولكن الكسندر لن يحل ضيفا عليها

بهذين العملاقين العسكريين يمكن تلخيص السياسة الروسية الجديدة ازاء المنطقة. فالعلاقات التي تنامت منذ مدة طويلة بين روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي والعالم العربي، هي هذه المرة ذات شقين:واحد يتناول العلاقات مع خط ما يسمى بالمتشددين، واخر  يتناول العلاقات مع من يسمون بالمعتدلين. في وداع تاريخي لسياسة تبني طرف ضد الطرف الاخر كما كان الحال ايام الاتحاد السوفييتي. اذ ان روسيا بوتين ومدفيديف تراهن على مصالحها فحسب دون موقف ايديولوجي يحد من وجهة هذه المصالح. وفي الوقت الذي تثبت فيه موسكو اقدامها في طرطوس وفي جنوب لبنان، ترنو بعينها نحو الخليج العربي وحتى الاردن والعراق، في محاولة لخلق معادلة  ذكية تقول: اذا كان لنا ان نكون الطرف الاول لدى سوريا وايران وحزب الله وحماس وربما ليبيا والسودان، فلماذا لا نكون شركاء ايضا لدى دول الخليج العربي او دول الاعتدال بشكل عام، حتى ولو كانت هذه الشراكة مع الولايات المتحدة محدودة الحصة؟  خاصة عندما ينظر الستراتيجي الذكي الى نسبة قوى المعارضة للسياسة الاميركية – الاسرائيلية داخل دول الاعتدال نفسها، واحتمالات التغيير ولو على مدى بعيد  لدى البعض،اضافة الى احتمالات الفكاك من القبضة الاميركية التي باتت مذلة لحلفائها في تجبر غير ذكي.

غير ان هذا السعي نحو العالم العربي، في شقيه، لا يصيبه الجموح الكامل بحيث يقطع كل الحبال مع اسرائيل – المعادل الاخر في المنطقة – رغم انه في المدى الحالي يرفع عصا التاديب بوجه الحكومة الاسرائيلية التي اصطفت كليا في صف الادارة الاميركية، بل وتحولت الى مجرد عصاة تضرب بها هذه الادارة حتى على خاصرة الاتحاد الروسي، في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، واخر هذه الضربات الضربة الفاقعة في وقاحتها والفاقعة في فشلها، في جورجيا.

كذلك ترفع ادارة بوتين- مدفيفيديف عصاة التاديب في وجه اللوبي اليهودي الروسي الذي عمل رؤوسه المعروفون بالاباطرة الخمس على تدمير الاقتصاد الروسي قبل ان يهربوا بجنسياتهم المزدوجة الى اسرائيل واوروبا، ومن هناك عاد بعضهم الى حدود روسيا للتخريب عليها، كما فعل بيروزوفسكي في جورجيا، خاصة مع المتمردين الشيشان.

اذن اكثر من ثار لدى روسيا اليوم لدى اسرائيل، لكن بوتين ليس عمر بن كلثوم، ومدفيديف ليس امرىء القيس. هؤلاء سياسيون براغماتيون، يعرفون كيف يحنون الراس حتى تمر العاصفة، وكيف ينتظرون الوقت المناسب لقبض ثمن ثارهم. وربما كيف يستغلون عقدة الذنب لدى خصمهم ،وهم اذ يمضون قدما في دعم ايران وسوريا وفنزويلا وسائر دول اميركا الجنوبية المعادية لواشنطن، تطبيقا للنظرية التي اطلقها بوتين: ” يجب الا ننتظر  ان يصل الاميركيون الى اراضينا ” فانهم من ناحية ثانية يبقون على خيط حرير ولو ضعيف مع الاخرين. وعليه لم يستطع الرئيس الاسد الذي  تلقف الحدث بشكل بالغ السرعة ان يحقق الغاية القصوى من زيارته لروسيا غداة احداث جورجيا، اي  قطع التعهد الذي قطعته بوتين لاسرائيل بعدم تزويد سوريا بصاروخ الكسندر.لكنه بالمقابل حقق نتائج ممتازة  على الصعيدين الدفاعي والعلمي والاقتصادي.خاصة وانه هو الاخر يتصرف بذات العقلية البراغماتية الذكية التي قد يقصر عنها الكثيرون من العرب

بالمقابل علينا الا نعتقد ان اسرائيل تتصرف بدورها بعقلية قبلية في تعاملها مع المتغيرات الجديدة، صحيح انها تصرفت في جورجيا بغباء وتهور كما تصرفت في حرب لبنان قبلها، ولكن عقلها العملي وخبثها السياسي قد بدا يدرك انه لا بد من التكيف، وعليه جاء التغيير الوزاري الجديد، لا نتيجة لاتهامات الفساد التي لحقت باولمرت وانما لان خطا اخر يجب ان يصحح لصيانة مصالح الدولة العبرية، فاولمرت كان في لبنان وفي جورجيا الوكيل المباشر لادارة جورج بوش، لذلك لم يتم تغييره الا بعد ان اعلنت هذه الادارة افلاسها. وتسيفي ليفني هي الوزيرة التي اعترضت على حرب لبنان لانها كانت تخاف نتائجها على بلادها كما انها هي التي طالبت باعادة الخبراء الاسرائيليين من جورجيا وكانت وراء التعهد بوقف النشاط العسكري الاسرائيلي هناك  منذ بداية الحرب مع موسكو وها هي تاتي، لا لتخاصم اميركا ولكن لتشق طريق ديبلوماسية جديدة تقع فيها مصلحة اسرائيل فوق كل مصلحة، وبعقلية غربية براغماتية  يبدو ان غالبية كايما يتبنونها بدليل اختيارهم لليفني الاشكينازية ضد موفاز السفارديم وذلك  ما يفسر شن كبرى الصحف الاسرائيلية هجوما لاذعا على الولايات المتحدة الاميركية بعد احداث جورجيا قائلة ان هذا التصرف قد شطب عمل الديبلوماسيين الاسرائيليين الطويل لتغيير الموقف الروسي وبالتالي الاوروبي من ايران  وتحديدا من سياسات هذه الاخيرة في المنطقة العربية ومن مشروعها النووي.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون