اوكسفام تقول ان اربعة ملايين ونصف افغاني مهددون بالجوع هذا الشتاء. فكم عدد المهددين مثلهم في بلداننا؟ في العراق وفلسطين المحتلين، ولكن في سائر الدول العربية الاخرى؟ وكم من هؤلاء الجوعى او الذين يتاهبون للجوع يستطيع ان يشاهد روتانتا ليسمع ان عرسا خليجيا قد كلف صاحبه اربعة مليارات دولار؟ واذا كانت الاربعة مليار رقما يثير الصدمة بالنسبة لخليجي يسبح في النفط دون ان تسود عباءته البيضاء، ولكن ليس ون ان تسود روحه وانسانيته، فكم هو المبلغ اللازم ليحدث الصدمة نفسها في بلدان لاتملك نفطا ولا غيره، وتعيش على المساعدات والمنح والتسول، وفي دول عطلت صناعاتها المحلية ومنتوجها الزراعي لصالح غيلان السوق؟ لكن السؤال الاخطر من هذا كله هو: كم من هؤلاء يفكر فيما يمكن ان يؤول اليه هذا الاحتقان النفسي الناجم عن غياب العدالة الاجتماعية في دول ليس فيها من مستقر الا عصاة امن تسوق المحتجين الى الصمت؟
حتى الان ما بات ثابتا هو ولادة الارهاب من هذا الرحم، وسجله الواضح في دائرة النفوس المحفوظة في ارشيف النظام العالمي الجديد وما تفرع عنه من عقد باطن هو النظام الاقليمي الجديد. ولكن من يدري كيف سيكون شكل الاخوة المشوهين، الغيلان الصغيرة التي سيقذفها هذا الرحم لاحقا؟
سيقولون لنا ان هذه حالة عالمية،وان بلدان الشمال تعاني منها مثل بلدان الجنوب طالما ان اقتصاد السوق قد عم الفئتين معا. ولكن ينسى هؤلاء ان لدى بلدان الجنوب ما يعوض المواطن هذا الحرمان وهذا التفاوت، اي نظام التامينات الاجتماعية، تلك التي فاقت جاذبيتها لشبابنا جاذبية بريجيت باردو، بدليل انها السبب الاساس وراء تدفق الهجرة من بلداننا الى اوروبا واميركا. سيقولون ان هناك قطاعا من المواطنين في هذه الدول نفسها لا ينعم بهذه التامينات، صحيح ولكن الى حد معين، فليس من يستطيع منع بني ادم من مستشفى او من مدرسة ولعلني انا بنفسي شاهد حي على ذلك. سيقولون ان الغرب لم يستطع تامين هذه المزايا الا بفعل ما سرقه من ثرواتنا نحن العرب خصوصا وثروات العالم الثالث عموما – ولا ننسى افريقيا. صحيح ولكن هل توقفت السرقة الان؟ هل توقف تسرب كل قرش نكسبه ( بطلوع الروح ) الى الغرب، ثمنا لكل ما تبصقه علينا مصانعه، ولكل ما تستلب به الثقافة الاستهلاكية عقلنا الذي بات مريضا بها؟ هل توقف عمل غيلان الاقتصاد في دول العالم الثالث لصالح التنينات الاكبر في الدول الغربية، وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة؟ فماذا تفعل دولنا وشعوبنا لمكافحة الفساد، لمكافحة تدمير مصادر الانناج المحلي من زراعية وصناعية وفكرية، لمكافحة عقلية السوق وقيم الاستهلاك التي لا تقتصر على الاقتصاد فحسب؟ لحماية الانسان الذي طالما تغنينا بانه اغلى ما نملك، حتى ولو اختلفت صيغة التغني من مكان الى اخر؟
الم نراقب كمن اصابته البهسة تحول: ” هبة النيل ” الى متسول لهبات الاميركان من القمح؟ الم نشهد مشلولين تحول سهول حوران من ” اهراء روما ” الى صحاري قفراء الا مما لا يكفي لاعالة ابنائها؟ الم نبكي على تحول ” سلة الغذاء ” العالمي، الى قفص للجوعى والمشوهين من سوء التغذية؟ الا نرى الان رمز الثراء والخصب ” ما بين النهرين ” تعرض جائعيها على الفضائيات، وتوزع فقراءها على ساحات المدن التي طالما تسولتها؟ الا نذهل عندما نكتشف ان جنوب الاردن كان يمون السلطنة المملوكية بالفواكه، تلك التي لا يحلم بصورتها ثلث الاردنيين على الاقل؟
هو الغرب، اراد لنا ذلك، وخطط ليفقرنا وصولا الى نهب ثرواتنا، والسيطرة على منطقتنا الجغرافية الستراتيجية، ووضع اسرائيل فوق رؤوسنا وعلى انفاسنا. حسنا، ولكن ماذا نريد نحن؟ ولماذا نخطط؟ ومن اين نبدا؟
اسئلة لا بد وان يواجهها الضمير في اليوم الاول من الشهر الفضيل، ضمير لن يرضيه ان نرمي بما يفيض عن بذخنا لفقير هنا او جائع هناك.