حرب لم تنته

صحيفة الشروق، 20-08-2008

يوم الاربعاء كنا نكتب عن الاواني المستطرقة، وكان المنسوب السياسي في الانبوب القائم على شاطىء بحر قزوين يرتفع متوازيا مع ذلك الحاصل على شاطىء المتوسط. كانت الساحة الجيورجية عام 2008 تقدم صورة مقابلة مماثلة لتلك عام 2006، مما يؤكد على ان حرب تموز لم تنته، لانها لم تكن حرب لبنان، ولا حرب المقاومة اللبنانية، فحسب. فلا حدود اسرائيل تقع عند حدود اسرائيل ولا حدود لبنان تقع عند حدود لبنان، تماما كما ان حدود الامبراطورية الاميركية تطمح لان تلف الكرة الارضية كلها.

 

في حرب تموز كانت المفاجأتان الكبريان، هما قصف الباخرة الاسرائيلية في عرض البحر، وتدمير الميركافا، الى ان انحل اللغز بعد انتهاء المعارك العسكرية، برسالة روسية الى حسن نصرالله:”شكرا لقد اعدتم الاعتبار لسلاحنا.” كانت المعركة في ابرز وجوهها، معركة الولايات المتحدة، التي قادتها ديبلوماسيا كونداليزا رايس من عوكر لفرض النظام الجديد، بعد ان فشل فرضه من العراق، وكانت اسرائيل هذه المرة تخوض الحرب لحساب واشنطن اولا ولحسابها الشخصي ثانيا، بعد ان سلفتها الامبراطورية هذه المعادلة في العراق. ومن هنا كانت المعركة في احد وجوهها المتعددة – ونتيجة للاول – معركة اميركا مع كل الطامحين لاعادة التوازن الى الساحة الدولية وفي مقدمتهم روسيا بوتين. ذاك ان مصلحة روسيا لم تعد تقتصر على طموح سياسي للعودة الى الساحة الدولية، بل اصبحت تتعدى الى ما هو اكثر الحاحا ومصيرية، بعد ان اصبحت الولايات المتحدة على ابوابها، ولم يعد من المستبعد ابدا ان يفكر جورج بوش ثالث في احتلال حقول الغاز الروسية يوما او قطع خطوط انابيبها، بعد ان يستكمل تطويق بلاد بطرس الاكبر بالتواجد العسكري والدبلوماسي في الجمهوريات السوفيتية السابقة ونشر الدرع الصارخية في بولونيا. مع كل ما يفترضه هذا الوضع من تشابكات على الساحة الاسيوية والاوروبية.

 

وفي كل الاحوال تظل اسرائيل احد ابرز المتاثرين وجوديا بهذه الرهانات الستراتيجية، كما تظل مدينة بتحالف وجودي ايضا للمقتضيات الهيمنة الاميركية. من هنا كان تواجد لوبيهاتها السياسية، وبالتالي خبرائها العسكريين كثيفا واستراتيجيا في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، منذ استقلال هذه الجمهوريات، لكنه تكثف اذ اصبح اكثر الحاحا بعد سقوط نظام يلتسين ومعه هيمنة اللوبي اليهودي، في روسيا بوتين. واقع يفرض نفسه على التحالفات التي نشات وتطورت ضمن منظمة تشنغهاي، ومنها العلاقة الايرانية – الروسية، كما يفرض نفسه ضمن دائرة الدول المطلة على بحر قزوين ومثيلتها على بحر الشمال.

 

وفي واحد من تجليات هذه المعادلات، ياتي موضوع السلاح حاسما: من جهة، من حيث فعاليته كاداة لردع ان لم يكن لحسم المواجهة، ومن جهة ثانية كمصدر اقتصادي اساسي لتمويل الدولة المنتجة، في عصر اصبح فيه التصنيع العسكري، وتجارة السلاح من اكثر مصادر الدخل القومي وفرا لاية دولة صناعية. ومن هنا كانت المصلحة الروسية في ضرب السلاح الاسرائيلي مزدوجة، بما تشهد عليه عدد صفقات الميركافا التي الغيت، وعدد صفقات الصواريخ المضادة للدبابات التي وقعتها روسيا بعد حرب تموز.

 

وترجمة لكل ما سبق وجدنا جورجيا تضج بألفين وخمسمئة خبير عسكري اسرائيلي على راسهم الجنرال غال هيرش الذي اوكلت اليه مسؤولية تاسيس وتدريب القوات الخاصة هناك، بعد ان شارك في قيادة حرب تموز في لبنان، عدا عن السلاح نفسه. لذا علا صراخ تسيي ليفني مطالبة بفتح مطار العاصمة الجورجية – حيث كان خبراؤها يحتشدون للمغادرة – ولذا كان هذا المطلب على راس اولويات كوشنير وساركوزي هناك.

 

بذا نفهم العبارة التي كان السيد حسن نصرالله يكررها خلال حرب تموز: لبنان ليس جورجيا، والعبارة التي اوردها امس: نرجو ان يكون من في لبنان قد اتعظ بما حصل في جورجيا ومثلها تصريح احد الخبراء الستراتيجيين الروس بان حرب جورجيا هي استمرار لحرب تموز. وبذا نتاكد من القول بان هذه الحرب لم تكن محلية واقليمية فحسب، بل عالمية… ولذا فانها لم تنته بعد.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون