في حين تنجخ اميركا في فلسطين تنجح فلسطين في اميركا. وفي حين يفشل الفلسطينيون فشلا ذريعا في الاضطلاع بخطورة قضيتهم ووحدتهم الوطنية على ارضهم، ينجحون في تقديم ذلك بشكل رائع على الساحات الاجنبية بل والمعادية وعلى راسها الولايات المتحدة.
مفارقة. على الارض الفلسطينية لم يعد الفلسطينيون هم، لم يعودوا قضيتهم، لم يعودوا معنيين بالوجه الذي يقدمونه للعالم وبالطريقة التي يحافظون بها على تعاطفه معهم. تحولوا الى قبيلتين كبيرتين، ومن لف لف كل منها من القبائل الصغيرة،مع كل سلبيات القبائلية. وعلى الارض الاميركية، وتحديدا في ولاية شيكاغو، ينطلق المؤتمر الفلسطيني الاول، تحت شعار ” استعادة صوتنا، تأكيد قصتنا”
بعد سنتين من التحضيرات التي نظمها طلاب و طلاب وشبان وأكاديميون وفنانون وعمال وأطباء ومهندسون وناشطون، يمثلون جميع اتجاهات الشعب الفلسطيني وانتماءاته افتتح المؤتمر يوم السبت، معبرا عن الوحدة الوطنية الفلسطينية، ليس في الضفة وغزة فحسب وانما عبر اراضي ال48 وال67 وذلك، عبر شمولية انتماءات المشاركين والمنظمين، عبر كلمتي الافتتاح عبر الفيديو من الارشمندريت عطا الله حنا ومن الشيخ رائد صلاح . اعلن الجميع تمسكهم بوحدتهم وبتمسكهم بالثوابت الفلسطينية، وفي مقدمها التمسك بحق العودة وحق تقرير المصير، ومواجهة الانحياز الاميركي التام لإسرائيل. يفتتحون بمعرض حول التأريخ الشفهي لفلسطين، عبر حكايات يرويها أفراد، ثم بفيلم وثائقي من ستة أجزاء، يروي مأساة اللاجئين الفلسطينيين في العالم في الأعوام الستين الماضية منذ النكبة عام 1948 ،ينظمون ثمانية عشرة ندوة ومحاضرة وورشة عمل ، تمثل ” فن وثقافة المقاومة ” كما جاء في تعبيرهم . ورشات تمتد من الحقوقي السياسي الى فن الطبخ والدبكة الشعبية. الى جلسة خاصة حول موضوع »السجناء السياسيين الفلسطينيين في الولايات المتحدة و الهجوم على الناشطين والأكاديميين الفلسطينيين« يشارك فيها عدد من الأكاديميين، بينهم الكاتبة والناشطة الفلسطينية ليلى العريان، ابنة الأكاديمي الفلسطيني المعتقل في الولايات المتحدة سامي العريان، بتهمة »الإرهاب«؛ والأكاديمي حاتم بازيان، الذي كان قد نشر دراسة في »مجلة القانون والثقافة الإسلاميتين« الصادرة في الولايات المتحدة عام،٢٠٠٤ بعنوان »الاعتقال الافتراضي: العرب، المسلمون والآسيويون والحرب على الإرهاب«.
ينجح هؤلاء المهاجرون في ابراز الوجه النظيف الحقيقي لثقافتهم، ولقضيتهم، كما ينجخون في احداث اختراق سياسي بارز ومهم، وهو ادراج قضيته مع الحكومة الاميركية وقوانينها ضمن مواجهة واسعة تضم العرب والمسلمين والاسيويين وربما الافارقة، وهذا ما يذكرني بواقع مشابه كثيرا ما رايته على الساحات الاوروبية ايضا. واذا كان علينا اان نعترف بان هذه الحراك لم يكن ليحظى بهذا الاعتراف وهذا التعاطف على تلك الساحات لولا الانتفاضتين الاولى والثانية، فانه لا بد لنا وان نتساءل عما سيكون عليه الاثر السلبي المقابل الذي سيتركه بالمقابل هذا الشقاق الفلسطيني المر القائم هاتين الانتفاضتين، على ارض فلسطين ؟
هل سيضيع جنون اليوم مكاسب تضحيات الامس ؟ ام ان اصوات العقلاء والمخلصين ستجد طريق الخروج من عنق الزجاجة ؟