بشغف كبير، لم تستطع اعيننا ان تنفك عن التلفزيون منذ انطلقت عملية التحرير التاريخية في لبنان، ولعل اكثر البرامج التي جعلت الحماس يمتزج بالحنان، هي تلك المقابلة مع مجموعة الشباب من اسرى المقاومة، اولا لان الاعلام يقدم دائما المسؤولين والقادة، في حين تغيب عنا صورة المقاتل العادي الذي يقدم دمه وروحه والذي يتركنا نحس انه ابننا او شقيقنا، وثانيا للخصوصية الرائعة التي يتمتع بها هؤلاء المقاتلون : كانوا شبابا يختلط فيهم التحفظ الخجول بالايمان اللامحدود، بسطاء، طيبون، شجعان، باسمون باستمرار، مؤمنون بكل ما هو جميل في سياقات حياتنا، يبدو عليهم وكانهم لا يحسون انهم يستحقون كل ما يقام لاجلهم وانهم سعداء لا بحريتهم فقط وانما بلمحات كثيرة منها مثلا لقاءهم بسيد المقاومة.
غير ان ما جعلني اتوقف كثيرا هو ما قاله احدهم ببساطة عفوية، عندما ساله المذيع: هل صحيح ما قيل عنك انك كنت تقبل التراب يوميا؟
- ” اجل كلما كنت اصلي. انه تراب مقدس لانه تراب بلادنا، مثله مثل تراب لبنان “.
انه الموقف القومي دون ادعاءات وايديولوجيات، دون كتب وخطب، يتوحد مع الموقف الديني في مسلكه اليومي، بدون خطب ومواعظ، ودون برامج تلفزيونية تشوه اكثر مما تجذر. وهي صورة المقاوم الخلوق التي لا يمكن ان تكون كاملة ان لم تكن كذلك.
واذا كان الخطاب السياسي للمقاومة ومسيرتها النضالية قد كرسا دائما تجاوز الكياني اللبناني الى القومي، فان تعبير هذا الشاب جاء يثبت ان هذا الموقف قائم في صلب العملية التثقيفية للقاعدة الشعبية للمقاتلين.
وبذا يصبح الفرز الحقيقي عملية تتجاوز الكيانية الى الى الوحدة النضالية، وبناءا عليها، الى الفرز الموقفي، فمن كان على خط المقاومة هو منا ومن كان خارجه هو خارجنا . لذا اصر المفوض اللبناني على ان تتضمن الصفقة شهداء من فلسطينيين وعرب، فيما نبه اليه السيد في خطابه قائلا: ” اردناها رمزية للتاكيد على وحدة القضية “.
اما الوحدة الاخرى التي لا تقل اهمية في ضوء مخططات التخريب القائمة، فهي احتضان وحدة القضية لتعددية الانتماءات الدينية والطائفية والمذهبية فيما يبدو بديهية من المعيب الكلام عنها او حتى تذكرها، في الظروف الصحية، غير ان الظروف المرضية التي نعيش تجعل منها امرا ذا اهمية كبرى. علما بان المارسة النضالية الحقيقية تتكفل باثباتها وتتفيه من يريدون توظيفها للفرقة والتخريب. فلا سني ولا شيعي، ولا درزي ولا مسيحي عندما تكون الهوية الاكبر هي المقاومة.
هكذا كان الحال ايام توهج المقاومة الفلسطينية على جميع الارض العربية، حضنا لجميع الاتجاهات على اختلافها، وبوتقة وطنية تذوب فيها كل الفروقات التجزيئية الصغيرة.
وهكذا كان الحال يوم التحرير العظيم في لبنان الذي جاء نضال حزب الله على طريقه تكريسا لتراكم نضالات الجميع من احزاب وتنظيمات علمانية وقومية ويسارية.
وهكذا تجاوزت فرحة الرئيس المقاوم اميل لحود، في استقبال الاسرى، فرحة السيد حسن نصرالله واحتفاء سليم الحص او فتحي يكن، او طلال ارسلان او من لا لون له من الوانهم كالقوميين السوريين او الشيوعيين،
وهذا ما تجلى في تصريح النائب محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة من ان: المعايير التي أسقطتها عملية الرضوان ستفرض ذاتها في المفاوضات المقبلة مع حركة حماس، وسيضطر الاسرائيليون الى تحرير مئات الاسرى مقابل جلعاد شاليط «.
ويظل السؤال متى تعود المقاومة الفلسطينية الى هذه الصورة الموحدة التي كانت سباقة اليها في السبعينات والثمانينات وبداية التسعينات؟ ومتى سيكون لنا ان نحلم بان تصل المقاومة العراقية الى هذا اللقاء النضالي الوطني القومي بين خسن نصرالله وفتحي يكن وخالد حدادة *؟
* امين عام الحزب الشيوعي اللبناني.