الخروف والليث. وباراك

صحيفة السبيل، 21-06-2008

” نحن نعيش في عالم قاس، عالم ليس فيه اي وجه شبه مع اوروبا الغربية، عالم  لا شفقة  فيه على الضعفاء، ولا فرصة ثانية للذين لا يتمكنون من الدفاع عن انفسهم. لقد قال انبياؤنا انه في نهاية العالم  سيتمكن الخروف والاسد من ان يناما جنبا الى جنب، ولكن  لمدة كافية لتبديل الخراف. نحن اخترنا ان نكون الاسد. هذا كل ما استطيع قوله ”

بهذه الكلمات الايديولوجية والستراتيجية الواضحة  اجاب ايهودا باراك على سؤال مندوبة جريدة لوموند الفرنسية  حول اقدام اسرائيل على تدمير منشاة عسكرية  سورية في شهر  ايلول من العام الماضي. واذا ما ربط ذلك بمبدا اصر عليه في  مجال اخر من الحديث وهو: ” يجب ان نستبق الخطر قبل حصوله “، فان  ارتباط الفكر الستراتيجي الاسرائيلي بمبدا الحرب الاستباقية، او بالاحرى انبثاقها عنه، يبدو خطا ثابتا  ومستمرا ولعل ابرز نقاطه التاريخية كانت تدمير المفاعل النووي العراقي، وذاك ما يتفاخر به المسؤول الاسرائيلي معتبرا انه لولاه لما  تحقق احتلال العراق.

من هنا فان باراك  يتحدث بغضب خاص عن الموضوع الايراني الذي لم تطبق عليه هذه الاستباقية، غضب يبدو من الواضح فيه ملمحان: الاول انه موجه ضد طهران وضد  القوى العربية والاقليمية التي تدعمها، وهذا طبيعي وعادي ( ايران تتحدى العالم، تغش، توارب، تكذب، يقول منفعلا  ويضيف: وتمد موزة شيعية من طهران الى حماس!!!!!! )، اما الثاني – وهو الاهم  فموجه للولايات المتحدة الاميركية، التي تقصر برايه في  تطويق الخطر الايراني، اما جهلا واما  تقاعسا واما ترتيبا خاطئا للاولويات.

فمن حيث الجهل يكتفي باراك بعبارة حاسمة وغاضبة: تقرير الاجهزة الاميركية خطا، ونقطة على السطر ”  قاصدابذلك التقرير الذي قال ان ايران لا تطرور سلاحا نوويا. اما من حيث  التقصير فيعتبر باراك ان الوقت يمضي بسرعة، ولصالح المشروع الايراني،  دون تحرك اميركي  واوروبي فعال، وضمن الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، مع ما يعنيه هذا الفصل من اللجوء الى القوة المسلحة. واما ترتيب الاولويات – وهو امر مرتبط بالاول – فان باراك يلوم فيه واشنطن ( قلت لهم اكثر من مرة ) لانها لا تضحي ببعض الامور لكي تضمن  تعاون روسيا والصين والهند معها ضد ايران. تضحية تصل في منطق  وزير الدفاع الاسرائيلي حد التخلي عن الشيشان، وعن مشروع نصب الدرع الصاروخية في اوروبا الشرقية، وصولا الى ارضاء بوتين الذي يضع على راس اولوياته – بحسب باراك –  عودة الولايات المتحدة الاميركية الى  حجمها الطبيعي، ابعادها الطبيعية، بحسب تعبيره.

بهذا يتحول المنطق الاسرائيلي الى منطق الدعوة الى اعادة التوازن الدولي وتعددية الاقطاب، ولكن بناءا على محور واحد: حماية اسرائيل والاستجابة لمتطلباتها الاستراتيجية. فهل ان الدولة العبرية، وقد حققت لها الامبراطورية الهدف الاعظم في تاريخ مشروعها الصهيوني، اي تدمير العراق وعلى الاخص الجيش العراقي، تجد الان ان واشنطن لم تعد قادرة وحدها على تحقيق الاهداف التالية وخاصة تحجيم الخطر الايراني، لان يدي واشنطن مغلولتان  امامه  بالمعادلة العراقية؟ وهل ان تل ابيب – وبناءا على ادراكها لذلك – تجد الان ان المرحلة القادمة من مشروعها تحتاج الى فريق عمل اخر يعمل لحسابها كما عمل جورج بوش ( رقم 1 ورقم 2)؟ وكعادة  اليهودي، فهو لا يدفع من حسابه، بل من حساب الاخرين، لذلك يريد من واشنطن ان تدفع فاتورته هذه المرة بطريقة جديدة: التضحية بمصالحها الامبراطورية  التي لم تعد تهم تل ابيب، طالما انها تتناقض مع اولوياتها هي؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون