يختلفون ويتفقون!

صحيفة السبيل، 14-06-2008

كثيرة  هي الامور التي دار حولها الجدل بين الاوروبيين والاميركيين  خلال جولة جورج بوش الاخيرة، اتي اعقبت  قمة سلوفينيا، ولكن الملفت فيها هي ان الاوروبيون اختلفوا كثيرا مع الرئيس الاميركي، وحول كل شيء تقريبا، الا حول جروحنا نحن. فقد اعتبر الطرفان ان العراق بات بعيدا وراء ظهر الطرفين، بعد ان تحول الوجود الاميركي فيه الى امر واقع، يتعامل معه الاوروبيون بروحية لا علاقة لها بتلك التي  حملها خطاب دومينيك دو فيللوبان في مجلس الامن، او تلك التي وسمت التحالف الروسي الالماني الفرنسي في تلك الفترة. وكذلك اتفقا على انه لا بد من تصعيد الضغط على ايران وتهديدها بعقوبات اشد، وحتى بشان افغانستان فان الخلاف الوحيد هو حول من يدفع اكثر ثمن الاحتلال هناك. اذ لا يعترض الاوروبيون على الوجود الاميركي ولكنهم لا يريدون ان يضحوا بجنودهم لتامين استقراره. يريدون فقط ان يتكفلوا بمهمات تدريبية في حين يتركون المناطق الساخنة للجيش الاميركي.

ما يتفق عليه الطرفان الاوروبي والاميركي هو السياسات الموجهة ضد العالم العربي والاسلامي. وفي مقدمتها  قضية  مكافحة الارهاب. فالطرفان متفقان على  مبدا الحرب على الارهاب، لكن الولايات المتحدة تفرض قيودا تمييزية على دول اوروبا الشرقية المنضمة مؤخرا الى الاتحاد، حيث تفرض على مواطني هذه الدول الحصول على تاشيرة لدخول الاراضي الاميركية، في حين تعفي منها مواطني الدول الاوروبية الاقدم في الاتحاد. واذ يصر الاوروبيون على عدم التمييز بين مواطني اتحادهم، فان الحل الذي ارتاته واشنطن هو ان تتعهد  الدول الاثنتي عشرة  بان  تحدد للاجهزة الاميركية  عرق ودين طالب التاشيرة!!!

هذا هو العصر الاميركي، لا يثير الحساسيات العرقية والدينية لدينا فحسب، لخلق صراعات تدمر مجتمعاتنا من الداخل، بل ويريد ان يعيد اوروبا الى عصر المفاهيم التي اغرقتها عقودا في الحروب الدينية، وكلفتها عشرات الحروب العرقية، منها  حربين عالميتين  دفعت الانسانية كلها ثمنهما. انه الخطر الذي يتهدد الانسانية من جديد بقدر لا يقل ابدا عن خطر الاحتباس الحراري، بل ربما يزيد عليه لان الكوارث التي تنجم عن هذا الاخير قابلة للعلاج بتضامن الناس وتعاونهم، في حين ان  الكوارث الناجمة عن تلك تقضي على كل ما هو تضامن وتعاون، ولا تحل الا الكراهية العمياء.

اما يختلفون عليه هو قضايا تتعلق بمصالحهم في الطرفين الاميركي والاوروبي، مصالحهم الاقتصادية اولا: من النفط الى الاحتباس الحراري. وحول هذا الاخير يكمن الخلاف الرئيسي الذي يتفاقم منذ عام 1997،  حيث ترفض الولايات المتحدة اتخاذ اي تدبير يؤثر على اقتصادها حتى ولو كان الثمن كوارث تقضي على نصف البشر. ورغم كل الالحاح لم يصل التنازل الاميركي الى اكثر من التعهد بعدم زيادة انبعاث ثاني اوكسيد الكاربون من الان وحتى 2025، في حين كان التعهد الاوروبي واضحا بتخفيض هذا الانبعاث بنسبة 20 بالمئة من الان وحتى 2020. وفي حين كانت الامم المتحدة ترعى مفاوضات كيوتو حول هذه القضية، اطلق بوش مبادرته الخاصة عام 2007، متجاوزا المنظمة الدولية بل ومنافسا لها، ودون ان يحدد الوسائل التي يقترحها للتنفيذ. واذا كان الرئيس الذاهب قد وعد خلال  مؤتمر الدول الصناعية الذي عقد في طوكيو   خلال شهر شباط الفائت، باتفاق شامل حول المناخ في تموز، فان الفرقاء الاوروبيين لا يعولون كثيرا على وعده هذا وينتظرون موقف  خليفته في قمة كوبنهاغن التي ستعقد  خلال 2009. خاصة وان هذا الخليفة سيكون واحدا من اثنين: باراك اوباما الذي وعد بتخفيض الانبعاث الحراري بنسبة 80 بالمئة، وجون ماكين الذي وعد بذلك بنسبة 60 بالمئة. ولكن هل ستصمد وعود الحملة الانتخابية امام سياسة الحماية الاقتصادية التي ينتهجها الديمقراطيون، او امام سياسة المحافظة التي ينتهجها الجمهوريون؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون