الجولان مقابل لبنان وكل فلسطين! هذه المقايضة المطروحة الان على سوريا، عبر الوساطة التركية. مقايضة تضع الحكومة السورية في مازق تاريخي بين مصالحها القطرية، وبين خيارها القومي، خاصة بعد ان خلت الساحة الا منها – كدولة ونظام – على صعيد جدية هذا الخيار. فهل سيتمكن الرئيس بشار الاسد وادارته المعروفة بالمهارة في اللعبة الديبلوماسية التفاوضية، من عبور حقل الالغام هذا، خاصة وان الرفض، مثله مثل القبول، يضاعف امكانيات التفجير؟
فان يقبل معناه ان يتنازل عن دعمه لحماس وسائر منظمات الرفض الفلسطيني، وبالتالي ان يسلم بتصفية القضية الفلسطينية وفق الوصفة البيرزية، بل والنتناياهوية. وان يتنازل كذلك عن دعمه لحزب الله وسائر فصائل المقاومة والمعارضة اللبنانية التي تصطف معه، مما يعني رفع المظلة عنهم، وتسيل الطريق امام انتقام اسرائيلي – اميركي، من هزيمتي التحرير و2006: انتقام يتحقق باحدى وسيلتين: اما تسليم المعارضة بحكم الموالاة المتحالفة مع اسرائيل والنائمة في حضن واشنطن، مما سيترجم برئيس جديد وحكومة جديدة وقياة جيش جديدة تتولى نزع سلاح المقاومة ومن ثم السير بالبلاد الى حيث تريد اسرائيل وواشنطن، سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا. واما اطلاق يد الجيش الاسرائيلي للقيام بمغامرة جديدة ضد لبنان، في حين تكون المقاومة مكشوفة الظهر سوريا ولبنا نيا، بعد ابعاد الجيش عن التضامن معها. ومن هنا نفهم مغزى الكثير من الاحداث: خاصة اغتيال الشهيدين فرانسوا الحاج وعماد مغنية، قائدي الجيش والمقاومة المفترضان في المعركة المقبلة. ومن يدري من سيعين قائدا للجيش بعد ذهاب العماد ميشال سليمان الى القصر الرئاسي او الى التقاعد، في موعد قريب؟ وهل سيتبنى القائد المقبل الموقف الصلب الذي اسس له العماد اميل لحود وتابع طريقه العماد سليمان ازاء التوأمة مع المقاومة؟ هل سيصمد امام الضغوط التي تدعوه الى التفريط بها؟
اما ان يرفض، فمعناه ان يظهر امام جبهته الداخلية اولا كمن يفرط في بقعة عزيزة من تراب الوطن، ويفوت فرصة تاريخية لاستردادها. خاصة وان تيارا لا باس به اخذ يتنامى داخل سوريا على اساس: ” سوريا اولا ” وعلى مطلب الانعزال والتخلي عن المسؤوليات القومية التي باتت مكلفة ومتعبة بعد سقوط العراق، واضعاف الخط الوحدوي والممانع في مختلف الدول العربية. وانحياز النظام الرسمي العربي بغالبيته الى محور العداء الاميركي الاسرائيلي لسوريا. كذلك سيكون من شان الرفض عزيز الصورة التي ترسمها الدعاية الصهيونية للنظام السوري، وكأنه نظام ارهابي معيق للسلام وللامن. مما سيسهل تشديد الضغوط الدولية والاميركية على عاصمة الامويين، ضغوط تؤدي – مع التخطيط الاعلامي والاستخباراتي وجهود المعارضة السورية في الخارج والداخل الى تفعيل النقمة الشعبية ضد الحكم.
واذا كان عنصر كسب الوقت هو ما يراهن عليه الديبوماسية السورية، بانتظار متغيرات داخلية واقليمية ودولية، فهل ستتمكن دمشق من ربح هذا الرهان والبقاء واقفة على قدميها الى ان يمر ما يلزم منه؟ ما يلزم لكي تحقق المتغيرات الاولى مزيدا من النموالاقتصادي ومن الحريات، يريح المواطنين ويجعلهم يلتفون اكثر حول قيادتهم ( وهانحن نرى في طرح المنطقة الاقتصادية بين دمشق وانقره، احدى الخطوات على طريقه ) وكي تحقق الثانية فكفكة العقد العربية والاقليمية واتضاح الكثير من التهديدات الغامضة والتحولات الممكنة ( وهذا ما تنشط الديبلوماسية السورية على طريقه مستفيدة من رئاستها للقمة خلال الفترة الحالية )، وكي تؤمن الاخيرة تراجع الاحادية الاميركية والعودة الى نوع من التوازن الدولي، يخفف الخنق عن خصوم اميركا، ويجبر هذه الاخيرة على خطوات الى الوراء على صعيد مشاريعها الشرق اوسطية ( وهذا ما تدفع سوريا باتجاهه عبر علاقاتها مع روسيا على الاخص ).
سؤال يبدو مركزيا وصعبا، في ظل الموقف العربي المحبط ان لم نقل المتامر ورهان لا يقتصر على وضع ودور مرحليين لعاصمة الامويين، وانما على خوجها منه بواحد من اثنين لا ثالث لهما: اما الفوز بدور لعاصمة الركزية للامة كلها، وانما تحولها الى كومبارس في مسرح اميركي اسرائيلي.
اي خيارصعب هو الذي يقف امامه الرئيس الشاب وفريقه! وكم كان من الممكن ان يكون سهلا لو ان العرب كانوا هنا لرد قبضتي االخنق عن عنق عاصمة صلاح الدين وبالتالي عن عنق كل الخط الممانع في العالم العربي!