في حين تشتد اضطرابات الخبز في مصر، يتذكر الكثيرون الخيمة التي نصبها الاسرائيليون منذ ثلاث سنوات في احدى ساحات تل ابيب تحت اسم ” خيمة الخبز”. وفي حين تضج وسائل الاعلام العربية بالحديث عن ازمة الخبز المصرية، يرى المتابعون ان ذلك قد تاخر كثيرا لانه انتظر نزول المواطنين الى الشارع ليتحدث عن مشكلة اساسية، ما زال صامتا عنها في بقية الدول العربية بانتظار ان يتحول الجوع الى عنف.
بالمقابل يلحظ المتابعون ايضا ان وسائل الاعلام تصمت ايضا عن ازمة الفقر في اسرائيل وكانه من غير المسموح به نزع عباءات القوة المطلقة عن كتفي العدو، في عيون المواطن العربي. عباءات لا تخفي لمن يريد ان ينظر واقع الاشكالات الكبرى التي تعاني منها البنية الاجتماعية والاقتصادية الاسرائيلية.
واذا كانت بعض اسباب الفقر تبدو متشابهة في جميع الدول التي استجابت لنداءات النيوليبرالية المتضمنة في العولمة الاميركية،وما نتج عنها من الغاء للطبقة المتوسطة، ومن شطب للثبات المؤسساتي والوظيفي، ومن ترسيخ لايقاع ا لسرعة في الاستثمار والربح، فان نتائج هذا الفقر تختلف في تفاصيلها بين مجتمع واخر، بحسب بنية كل منها. هذا الاختلاف يجعل لتنامي الفقر في المجتمع الاسرائيلي مخاطر تتعلق ببقاء الدولة نفسها، نظرا للعلاقة الوثيقة بين توزيع الثروة والشروخ الاتنية والتدينية داخل هذا المجتمع، وكذلك بينها وبين امكانات الهجرة والهجرة المضادة.
وبنظرة بسيطة الى تقارير المؤسسات الصهيونية نفسها يمكننا استعراض تطور هذه الاشكالات عبر السنوات العشر الاخيرة، فبعد تحسن بسيط تمتعت به الحالة الاقتصادية الاسرائيلية اثر اتفاقيات السلام في بداية التسعينات، عاد الحال الى التازم منذ نهايتها. ففي عام 2004 تحدث تقرير الفقر الذي اصدرته مؤسسة التامين الوطني عن التطور الذي حل بنسب الفقر في البلاد خلال السنوات الخمس الاخيرة ( 1999- 2004) بحيث وصل عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر الى نصف مليون انسان. ليضيف التقرير نفسه ان هذه لنسبة شهدت ارتفاعا في العام 2004 الى 3،2 %
في عامي 2005- 2006 تحدثت مؤسسة التامين الوطني عن تزايد بلغ نسبة 50% الفلسطينيين اي بزيادة 6،6%،( معدل الدخل الوطني: الاسرة 15 الف ) في وقت انخفضت فيه هذه النسبة بين الاسرائيليين الى 24% اي بنسبة 5،5 % (معدل الدخل لوطني: الاسرة 30 الف)
في عام 2006حدد تقرير مكتب الاحصاء المركزي نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر ب 25%
في عام 2007 تحدث جيل دارمون رئيس احدى اهم مؤسساتالمجتمع المدني، امام 120 منظمة مجتمعة في مؤتمر عام عن ارتفاع 19% في نسبة العائلات التي تتطلب مساعدات غذائية ( 50 الف عائلة )
هذا في حين وضعت التقارير الدولية اسرائيل في المرتبة الاولى من حيث تفشي ظاهرة الفقر بين الاولاد ( 33%) تليها الولايات المتحدة، بريطانيا ثم ايطاليا
واذا ما عدنا الى التحليلات التي تحاول تفسير ذلك على الساحة العبرية والدولية لوجدنا انها تتركز فيما يلي:
– السياسات النيوليبرالية وترافقها مع التمييز العرقي، مما يؤدي الى تركز الفقر لدى الفلسطينيين الذين يسمون بعرب اسرائيل وبالتلي لدى اليهود الشرقيين. حيث نرى ان البطالة في المهن العليا هي فقط بنسبة 9% لكنها تبلغ نسبة 20 % للعرب المؤهلين لهدذه المهن مما يقدم مثالا بليغا للتمييز العنصري ويعززالشرخ القومي والاتني.
-تدمير اقتصاد الانتاج الراسمالي، وما استتبعه من زوال الثبات المؤسسي والوظيفي وما ينتج عنهما من حالة ( انعدام الامان ) التي تعززها العمالة البديلة، وازدياد الاعتماد على الالة، وطبيعة الاقتصاد الجديد التي تتطلب السرعة في العمل والسرعة في الانتاج والرعة في الربح التخصص في التكنولوجيا العليا، والاعتماد عليها دون فتح ابوابها للجميع مما يؤدي بالتالي الى زيادة الشرخين: الطبقي و الاتني
التقليص المتواصل للضمان الاجتماعي والذي يتجه اساسا ضد العرب بحجة عدم خدمتهم في الجيش، كما يتجه نحو الضمانات المعطاة للولادات وللطفولة بغية تحجيم عدد الولادات لدى هؤلاء العرب. بالدرجة الاولى ولدى اليهود الشرقيين بالدرجة الثانية ( علما بان هؤلاء اليهود يجدون تعويضا نسبيا لدى الجمعيات الاهلية الخاصة بهم )
واذا اضفنا الى ذلك ما يسمى حديثا بالفقر الرمزي، وهو ذاك الناجم عن التناقض الحاد بين اغراق السوق بالبضائع الغالية واغراق المواطن بالدعاية الاعلانية والاعلامية، وبين قدرته على الشراء مما يؤدي الى الكبت وبالتالي الى التفجر. غير ان هذا التفجر لا يتجه بالضرورة نحو اسباب الظلم، وذلك لغياب الوعي غالبا لدى الفئات المهمشة، ذاك ان الوعي لا يترافق مع التهميش لانه عملية تراكمية تحتاج الى الوقت والى شروط اخرى. اضافة الى ان زيادة التهميش تؤدي الى مزيد من العنصرية وتراجع في التضامن الاجتماعي.خاصة عندما يكون هذا التهميش تهميشا بنيويا ينشا عن العنصرية ويطال المضعفين.
وبقراءة متانية لهذه العوامل نتبين ما اشرنا اليه من كونها قد لاتختلف في الكيان الاسرائيلي عنها في الكثير من الدول في عصر العولمة واقتصاد السوق وعصر تراجع تحكم منظومة قيم اكثر انسانية بعالم الاقتصاد. لكن الفارق الخطير يتركز في كون الدولة اليهودية عاجزة بطبيعة تكوينها الاجتماعي والوطني عن تحمل النتائج التي تؤدي اليها هذه العوامل سواء على مستوى تعميق الشرخ العرقي بين اليهود انفسهم، وتعميق الشرخ المركب بين شرقيين غربيين، اغنياء وفقراء متدينين وعلمانيين. في ظل تنام واضح لللاحزاب الاصولية الدينية. او على مستوىتعميق الكبت وامكانيات التفجر لدى العرب، مما يصب كله في خط اعاقة امكانيات الهجرة وزيادة امكانيات الهجرة المضادة.
ومن هنا تتضح اهمية التطبيع مع الدول الخليجية الغنية، مما يمكن من فتح اسواق جديدة امام الاستثمار والانتاج قد تساهم في حل المعضلة الاقتصادية التي لا تقل خطرا على الكيان العبري من الخطر العسكري، الذي تساهم تكاليفه في تازيمها، كما حصل بعد حرب تموز الاخيرة.