لم يبق الا زعماء قبائل الزولو خارج دائرة الاحتجاج على عملية الاستشهادي الفلسطيني ضد مدرسة الحاخامات، التي اسسها تسيفي يهودا الاب الروحي لغوش ايمونيوم، والتي ربت اكثر حاخامات المستوطنات تطرفا وعنصرية. وحده محمد حسين فضل الله، المرجع العربي قبل اي شيء اخر صعد الى سدته مثنيا على العملية البطولية ومترحما على شهيدها ومؤكدا على ان اي تصعيد اسرائيلي سوف يجتذب رد فعل مواز له، هذا بالطبع غير اهل غزة الذين وجدوا فيها بلسما لجراح من لم يحملها على جسده حملها في روحه.
الاوروبيون فاقوا الاميركيين توسلا للرضى الاميركي بعد ان حلت ميركل محل شرودر وساركوزي محل شيراك، اي بعد ان حلت سياسة التبعية الاميركية محل سياسة الاستقلالية والتوازن. فاذا كان بوش قد وجد نفسه في مباراة مع كلينتون واوباما، فان ساركوزي قد تعثر في الملعب بميركل وسولانا ووراءه وبراون وبيرنييه وبرودي وبنيتا وولدنر كما لم تتاخر اسبانيا والسويد وتركيا وروسيا و واليونان عن المشاركة في المظاهرة الاحتجاجية ( العفوية لولا دور اللوبيهات اليهودية والاميركية فيها، ولولا رعب العديد من هذه الدول عن حركات عنف لديها طالما انه كله بات يعرف بالارهاب ). غير ان المهم في المسألة هنا، هو كيفية قراءتنا نحن العرب لهذه الفزعة الدولية: الواقفون متسولين على ابواب الرضى الدولي، وعلى عملية السلام التي يعرفون انها وهمية وليس من يعنيها او من يصدقها، حتى هم، سيجدون فيها حجة للقول ان العمليات العسكرية العنيفة تقلب علينا العالم، وتجر علينا الانتقام الذي لا قدرة لنا على رده. وسيلبسونها بالتالي ثوب اخر موضة: العبثية،
اما الذين يقرؤون التاريخ جيدا، قديمه وحديثه ومعاصره، فسيعرفون ان حجم الصراخ هذا يؤكد على حجم الوجع، وحجم نتائجه المدمرة على صحة الدولة المريضة، التي لم تتورع وزيرة خارجيتها من التصريح قبل اسبوعين بانها تخاف عليها. كما لم يتورع زعيم الجالية اليهودية الالمانية عن توبيخ اولمرت لانه دعا يهود المانيا للهجرة قائلا: هم لا يريدون الهجرة ونحن نفضل البقاء هنا للتاثير في القرار السياسي لحمايتكم. وفي خطوة بالغة الدلالة حول المجلس اليهودي العالمي ثمانين بالمئة من ميزانية الهجرة لهذا العام الى ميزانية الثقافة،
في ضوء هذه المعطيات يرتسم السؤال المنطقي: ما تاثير علمية كهذه على حالة كهذه؟ من جهة ثانية، يذكر جميع المتابعين مقولتين لاثنين من اباء دولة اسرائيل: جابوتنسكي الذي كتب في جدار الفولاذ: “سيبقى هؤلاء العرب يقاتلوننا كما يقاتل كل السكان الاصليين المحتل الى ان نتمكن من القضاء على اخر بارقة امل لديهم” وبن غوريون الذي قال يوما:”عندما تنهزم اسرائيل للمرة الاولى، تبدا العد العكسي نحو نهايتها”، وهنا ايضا يرتسم السؤال الدقيق عن تاثير عملية كهذه على بارقة الامل لدى الفلسطينيين والعرب، خاصة بعد عملية اغتيال عماد مغنية، ومحرقة غزة. وعلى بداية النهاية للدولة العبرية.
اما النقطة الثالثة وهي لا تقل اهمية عن سابقتيها فهي تعيدنا الى كلام الامام فضل الله: اي تصعيد سيجد رد فعل مواز له، هذا المنطق وحده هو الذي يمكن ان يشكل رادعا لاسرائيل ولمن وراءها، وكل التجارب تؤكد بديهية تاريخية وهي ان اي محتل لم ينسحب برسالة استرحام، واي معتد لم يرتدع ويعد للعشرة، بل وللمئة الا اذا توقع وجعا يؤلمه في نقطة مفصلية.
اخيرا، يأتي حمل الفصيل الذي تبنى العملية اسم الشهيد عماد مغنية، واسم الجليل ليحمل دلالتين: الاولى: ان الصحافي الاسرائيلي الذي تساءل بعد اغتيال مغنية عن جدوى عمليات تفرح الاسرائيليين لايام وتبكيهم لشهور وسنوات، كان على حق، بل ان هذه العملية هي التي اعطت لكلامه مصداقية. ولا بد ان الذين يرددون كلامه باتوا الان اكثر فاكثر في اسرائيل، وفي الدوائر الصديقة لها في العالم والثانية: ان كل الجدران النفسية ومن ثم الاسمنتية التي سرت عدواها الى العالم العربي، لن تستطيع ان توقف الدورة الدموية القومية للصراع.