مات مرات ليحيا ابدا!

صحيفة الشروق، 04-02-2008

مات مرتين! قالها طلال سلمان في رثائه للرجل الذي حمل لقبا لم يستحقه سواه: ضمير فلسطين.

مرة كموت طبيعي، ومرة لان رئيس السلطة الفلسطينية نعاه وهو يذهب الى لقاء اولمرت!

لكن جورج حبش مات مرات ومرات، قتل بسم بطيء وصدمات كهربائية متواصلة! سم لاعلاقة له بالكيمياء كذاك الذي سمم به ياسر عرفات، وصدمات اسوأها ما جاء من خط التوتر العالي بين الفلسطينيين انفسهم، هو الحكيم الذي ضحى بالكثير الكثير لصيانة الوحدة الوطنية.

مات مؤسس حركة القوميين العرب، والخط القومي في اضعف حالاته منذ قرن، مات المفكر اليساري واليسار قد دخل في خبر كان، مات الثائر الراديكالي الذي كان تنظيمه اول من اجبر العالم على الاعتراف الواقعي بامر اسمه قضية فلسطين، مات ابن اللد، اللذي قال بعد اوسلو: لااتخيل انني لن اعود يوما الى اللد. مات والسلطة الفلسطينية ومن ورائها عرب الاعتدال يقبلون بشطب عودة اللاجئين بعد ان كرس العراب المتشدد تصهينا، يهودية الدولة المحتلة، وكنس قرارات الامم المتحدة بما فيها ذاك الذي يخص حق العودة.

مات رائد وسيد الدعوة الى تغيير الانظمة العربية، كونها تعيق اي تغيير سياسي واجتماعي واقتصادي يؤدي الى تحقيق حلميه الملازمين والمتلازمين: الوحدة العربية وتحرير فلسطين. مات ورائحة العفونة المتراكمة على هذه الانظمة الباقية في مكانها تزكم انفه وانوفنا جميعا.

مات خريج الجامعة الاميركية، المنحاز الى الطبقة المتوسطة والفقراء، وهذه الاولى تختفي غارقة في رمال العولمة، في حين يزداد فقر الثانية، اللهم الا من تعلق منهما بقطار الفساد والعمالة وجوقة باعة المزاد ومصاصي الدماء.

لكنه رغم ذلك مات دون ان يفقد ذرة من ايمانه. لا لانه ابن جيل يصعب عليه تغيير قناعاته والاعتراف بفشلها، كما يقول البعض، بل لانه صاحب رؤية تتجاوز الان واللحظة، وتتجاوز القشور مهما تراكم يباسها، فالتاريخ مراحل، والنظرة الواقعية الى المرحلة الحالية بكل خرابها، لا تعني انها مرحلة ابدية دائمة. خاصة وان الصرا ع ما زال قائما وبحدة بين هذا الموت الذي يجهد في ان يفرض نفسه وبين قوى الحياة التي تقاوم لاجل بقائها. ولمن اراد تبين بذور الامل ان يتبينها على  الساحة اللبنانية، والعراقية وحتى الفلسطينية. فرغم كل التامر الداخلي والخارجي، ورغم تفاوت القوة الهائل، استطاعت قوى المقاومة ان تصمد وتبقي على الشعلة المجوسية، رغم كل ما يحيط بها من دخان. وهذه الشعلة هي التي لم تمت في صدر جورج حبش ولم تدفن مع جسده  بل بقيت مشتعلة في ذكراه.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون