من المثلث الخطر الى مثلث الخطر.

صحيفة الخليج، 19-01-2008

من المثلث الخطر، ذاك الذي خرجوا علينا به بعد احتلال العراق، ليراد، بتوصيفه سنيا  طائفيا، تركيز فكرة الفرز الطائفي في العراق تمهيدا لتقسيمه وفق اعتبارات طائفية وعرقية، وليراد كذلك، باطلاق الفرز السني الشيعي من العراق، تفجير العالم العربي ومن ثم العالم الاسلامي  كله على اساس مذهبي. الى مثلث الخطر الذي اطلقت تعبيره الجغرافي  قمة دمشق لتقول ان عاصمة الامويين تتوسط مثلثا  خطرا مكونا من  لبنان والعراق وفلسطين، وبذلك تتحدد خطورة دورها في المنطقة كلها.

واذا كان تعبير المثلث الاول يخترع وهما ويعمل على تكريسه للتدمير، فان تعبير المثلث الاخير يخرج الكلمة من دائرة الفتنة الى دائرة واقع المواجهة الحقيقية، ويعبر عن واقع تاريخي وجغرافي وسياسي، لا بد من اخذه بعين الاعتبار اذا اريد لمشاكل هذه الامة ان تحل وللمستقبل العربي ان يبنى.

ذاك ان  استعمال المصطلحات الهندسية في الخطاب السياسي  هو امر  شائع، ليس فقط من باب ادراك اهمية الجغرافية في السياسة، بل واضمارا لنوايا وخطط يراد تسويقها من خلال الخطاب. واذا كان العالم العربي قد عرف منذ فجره تسميات سياسية جغرافية بريئة النوايا، من مثل الجزيرة العربية،  الهلال الخصيب، وادي النيل  او  وادي الاردن، الضفة الغربية، او الصحراء الغربية، الخ… فان التسميات الحديثة قد خلت كليا من  البراءة، بل انها حملت بدلا عن الصدق الجغرافي النوايا السياسية المريبة، من مثل الخط الاخضر، الشريط الحدودي، خطوط التماس، واخيرا،  الهلال الشيعي والمثلث السني… ولعله من احد منجزات  قمة دمشق الاخيرة  انها اعادت الى المصطلح الجوبوليتيكي مصداقيته ودلالته الواقعية البليغة عندما تم الحديث عن وقوع دمشق في قلب المثلث الخطر: اللبناني – العراقي – الفلسطيني. عبارة قصيرة تحمل من البلاغة ما يناقض انشائية خطب  هذه القمة وغيرها من القمم ومن الخطب السياسية العربية. فهذا المثلث هو الترجمة الواقعية لاكثر من امر: هو ترجمة للاستهداف الاساسي للمشروع الصهيوني في المنطقة، وهو ترجمة للاستهداف الواسع للمشروع الاميركي في المنطقة، وهو ترجمة بالتالي للوضع الخاص الذي لا بد من الاعتراف به لموقع سوريا  الخاص من هاتين الترجمتين. تماما كما ان لمصر دورا خاصا في  نقطة الاستهداف الاميركي – الصهيوني في دارفور السودانية، او ما للجزائر من موقع خاص في نقطة الاستهداف الاميركي في المغرب العربي. وبنظرة هندسية جغرافية، نصل ايضا الى الخطورة التي تشكلها فلسطين كرابط بين المثلث السوري هذا وبين الوادي المصري – السوداني، وما يشكله العراق من من رابط بين هذا المثلث وبين الجزيرة العربية، واخيرا ما يشكله لبنان  من خاصرة لسوريا ولفلسطين ومن  رابط مع المتوسط.

ولذا  يشكل المثلث المذكور  بؤرة بالغة الخطورة، ومن هنا  حق سوريا في الحذر وفي التوجس، وفي التهيؤ للمواجهة وللسير في حقل الالغام. سير  خطر بدوره  يتطلب  ذكاءا  سياسيا  استثنائيا. لكن ذلك بالمقابل يقودنا وبوضوح شديد الى اكتناه دواعي الضغط الاميركي اللامحدود على عاصمة الامويين، لانها قد تكون العائق الاكبر في عدم انتشار حريق الفوضى الخلاقة في هذا المثلث  كله، كما انها  الواحة الوحيدة التي تشكل متنفس المقاومين الذين يرابطون في مناطق الحرائق الثلاث: شرقا وغربا وجنوبا. وليكن لاي منا ان نتخيل كيف سيكون عليه الامر لو سقطت هذه الواحة ( لا سمح الله ) في حريق العم سام او الخال يهوه. من هنا  عرف هذا الضغط المتواصل  مراحل تشدد خاصة رافقت  ثلاثة احداث مفصلية: معاهدات السلام مع اسرائيل، تحرير جنوب لبنان واحتلال العراق، خاصة مع فشل التطبيع في الدول الموقعة على المعاهدات ومع  استعصاء  المقاومة في دول الاحتلال:  لبنان وفلسطين والعراق.

وفي سياق هذا الضغط، جاء السعي الحثيث لمنع  انعقاد قمة دمشق تكريسا لعزلتها، وعندما لم ينجح  منع الانعقاد، تحول الضغط الى منع الحضور تكريسا لفشلها. غير ان القمة عقدت، ولم تفشل.  رغم انصياع العديد من الزعماء للامر الخطي الذي عرضه احد الرؤساء الذين حضروا،  فور وصوله الى دمشق، على الرئيس بشار الاسد. كما رددت الانباء الصحفية بان قائد الاسطول الاميركي قد ساعد الخارجية في تبليغه للمسؤولين العرب.

واذا كانت هذه الانباء قد اكدت ان الجميع قد تسلمه، فان عدم قطع راس الذين تجاهلوه او تحدوه يؤكد على ان من اطاعه كان في نفسه شيء من رغبة وجدت نداءا، او من جبن لم يتجرا على تلويح. دون ان يكون من الممكن ابدا القول بانه لا يعرف خطورة الوضع على الجميع.

لكن ما بعد المؤتمر، مرحلة جديدة تتطلب من النجاح صعود درجة اخرى وتتطلب الانتباه الى ان العدو سيشحذ سكاكينه اكثر، لكنه على اية حال سيضطر الى ان يعد لاكثر من العشرة قبل استعمالها.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون