صدفة ام تزامن تاريخي، حادثة الحذاء العراقي مع خبر انقلاب العسكريين الذي لن يكذبه تكذيب الحكومة له؟
لا فرق، وانما هي طقوس الاشارات والتحولات، على حد تعبير سعد الله ونوس رحمه الله. تحولات قد يختلف الكثيرون حول تفسيرها وحول الاجابة على سؤال: لماذا الان؟ لماذا بعد ست سنوات على الاحتلال؟ لماذا بعد توقيع الاتفاقية الامنية وقبل الاستفتاء عليها؟ لماذا مع تبدل الادارة الاميركية؟ لماذا بالتوازي مع الازمة الاقتصادية العالمية؟
بعض من الاجابات لا يغني عن البعض المخفي والذي سيكشفه الزمن، ولكنه قد يرسم بعض ملامح الصورة التي يبحث عنها المرء بحرقة بحث جهاز امن عن صورة مجرم خطير، بعد حادثة بالغة الخطورة. فشرط السنوات، ست او غيرها كان ضروريا لكي يستفيق العراقيون، بعضهم، من صدمة الاحتلال، ومن غبش الصورة المموهة لما بعد عهد صدام حسين، خاصة اولئك الذين كانت معارضتهم للنظام ولهفتهم للتخلص منهم تعمي بصائرهم عن امور كثيرة. ومسالة الاتفاقية الامنية، لم تستطع مع كل ما اجري عليها من ماكياج ومن تمويه واخفاء، وضياع بين نص عربي ونص انكليزي ان تنطلي على اي عراقي او اي عربي. غير ان قوة الفرض التي استعملت لاجبار الحكومة والبرلمان على تمريرها، لن تقصر عن مصادرة الارادة الشعبية وتزويرها عند الاستفتاء. لكن القضية الاهم في رسم سياق المرحلة القادمة هي ان تغيير الادارة الاميركية، متزامنا مع تغير الوضع الاقتصادي العالمي وخاصة الاميركي، يقتضي بالضرورة تغييرا في ادارة المسالة العراقية، من جهة، وتغييرافي الادراة العراقية، من جهة ثانية.
فهل كانت اشارات التحولات هذه هي التي التقطها الوجدان الشعبي والوعي السياسي العراقي، كما التقتطها مجموعة من العسكريين فتحركت للحسم بمحرضات وطنية داخلية فحسب، ام انها اشارات تحولات بثتها الادارة الاميركية نفسها لمجموعة العسكريين كي يبادروا الى التغيير.
وبتعبير ابسط واوضح: هل ان مجموعة من الضباط والعسكريين العراقيين الوطنيين، بعثيين وغيرهم، قد احست بان الوضع قد نضج للتحرك، وان التوقيت الامثل هو هذه الفسحة القائمة بين ادارة اميركية واخرى، وخلال اشتداد الازمة الاقتصادية العالمية والاميركية، وان الاسلوب الامثل هو انقلاب يمسك بالسلطة ومن ثم يفاوض المحتل او يقود مقاومة ضده؟
ام ان الاميركيين انفسهم قد فاوضوا ثلة من قدماء العسكريين العراقيين لتنفيذ عملية انقلاب، تؤدي الى حكم عسكري قوي يبدا بثياب وطنية، وخطاب قومي او اسلامي او وطني، وربما يمضي حد تبني خطاب ضد الاحتلال، ولكنه يتعاون مع الاميركيين من تحت الطاولة في سبيل تحقيق اهداف مرسومة منها:
- الامساك بالبلد بيد من حديد، على طريقة كل الحكومات العسكرية، تعيد بناء القوات المسلحة على اختلافها بجناحيها الاستخباراتي والعملياتي، ولكن وفق عقيدة جديدة مختلفة عن عقيدة الجيش العراقي السابق. واول بنود هذه العقيدة: مكافحة الارهاب بترجمتها الحقيقية التي تعني مكافحة المقاومة والخلط بينها وبين الارهاب، ولمن لا يفهم ذلك ان يعود الى المطلب الذي يصارع ضده الجيش اللبناني منذ سنوات.
- التزام الحكم الجديد بالاتفاقية الامنية، بحجة استمرارية الدولة، ومن ثم الاشراف على الاستفتاء الذي يكرسها بمنحها المشروعية الشعبية.
- التزام الحكم الجديد بالنيوليبرالية الاقتصادية وبما تعنيه من ضمان هيمنة الشركات العابرة للقارات والاميركية على الثروات العراقية.
- تكفل هذا الحكم الجديد القوي بالمهمة الامنية الكاملة داخل العراق، بحيث لا تضطر القوات العسكرية الاميركية المنسحبة الى ثكناتها الى التدخل كلما استغاثت بها الحكومة العراقية الضعيفة المهزوزة المعزولة في المنطقة الخضراء. ولنا ان تصور كم سيتكرر ذلك، وكم سينزعج الاميركيون من الكلفة البشرية والمادية لضرورات التدخل هذه! وكم سيرتاحون اذا استطاعوا ان يسحبوا ابناءهم الى قواعدهم المرفهة، ليعود منهم من يعود، وليحظى الباقون باجازات مريحة يتداولونها لدى عائلاتهم في بلدهم، وهم مطمئنون الى ان العراقيين سيتكفلون عنهم بمهمة الدفاع عن المصالح الاميركية في العراق، وربما في المنطقة! وكم سيرتاحون اكثر – وهم يتزلجون على ازمتهم المالية – اذا ما تمكنوا من توفير نفقات الاحتلال!
- بهذه الطريقة ايضا يتمكن الاحتلال واعوانه وشركاؤه من التخلص من مسرحية الديمقراطية التي اريد لها ان تكون لعبة فاذا بها تتجه الى التحول- على المدى البعيد – الى جد ( ولو بكل شوائبها ). تحول ارهاصاته كثيرة وفي مقدمتها تحرك التيار الصدري شعبيا وبرلمانيا ضد الاتفاقية الامنية. حقيقة تشكل خطرا لا يمكن ان يخفى على المخطط الستراتيجي الاميركي والغربي والصهيوني، الذي سيفهم خطورة اللعب مع شعب عريق يختزن ما يختزن العراق من طاقة، وبالتالي يفهم ان الذكاء يقضي بخنق الجنين في بطن امه، قبل ان يصبح مستعصيا على الخنق.
- في سبيل ذلك كله، لا باس من ان تتضمن التشكيلة الجديدة بعض الاسماء المعروفة من بعثيين او قوميين اواسلاميين، تشكل غطاءا للتركيبة الجديدة، ولا بد من يتم تركيبها من سنة وشيعة ومسيحيين لكي تكون مطلقة اليد في التحرك ضد القوى المقاومة في كل الساحات، وعندها يكون اعتراف الدول العربية السريع بها، ودعمها تحصيلا حاصلا، وحشرا للمقاومة الحقيقية في زاوية ضيقة.
- بعض من اهداف لا ادعي انني وصلت اليها كلها بالتحليل، اذ انني سمعت حديثا عن بعضها منذ اربع سنوات على لسان ديبلوماسيين ومسؤولين سابقين، حديث تناول بالتحديد محاولة سلطات الاحتلال اجراء مفاوضات مع ضباط بعثيين سابقين، وضباط من قوى اخرى لتنفيذ انقلاب عسكري ينهي حالة الفوضى. وعليه عرف المعسكر غير المتعاون مع الاحتلال، وضمنه معسكر الخكم السابق وجهتي نظر تناقضتا بحدة: واحدة تقول بانها الوسيلة الوحيدة للعودة او الوصول الى الحكم والخروج باقل خسائر ممكنة، واخرى تقول ان هذا الرضوخ ان هو الا تامر على عنق البلد مرة ثانية لا فضل فيه لمنفذيه على من جاء على دبابات الاحتلال، وتصر على ان اللغة الوحيدة للتعامل مع الاحتلال هي المقاومة بكل اذرعها المسلحة والسياسية وهي وحدها المخولة بالوصول يوما الى التفاوض مع الاحتلال اذا ما اقر بالخروج دون قيد او شرط.
فهل كانت محاولة الانقلاب الفاشلة ترجمة لوجهة النظر الاولى ام الثانية؟