كثير من الالتباس، وكثير من ردات الفعل، حمله الجو الذي ساد احداث نهر البارد بين الجيش اللبناني وفتح الاسلام. وعندما كتبنا منذ اليوم الثاني للفتنة بان ما يجري يهدف الى جملة اهداف تخريبية لا تقتصر على طرابلس ولبنان، لا ولا حتى على الوضع الفسطيني فحسب بل تندرج ضمن ما يخطط للعالمين العربي والاسلامي، لم نكن نتنبا لا ولا نحلل. بل نبني على الوقائع. فما خروج ابي هريرة في اليوم الثاني للاشتباك بتصريح يقول: نحن جئنا لحماية اهل السنة! الا دلالة واضحة على محاولة الفتنة المذهبية. وما اصرار هؤلاء على التحصن بالمخيم الا دلالة على التخطيط لافراغه، وما مواقف الحكومة واجهزة الامن الداخلي المتواطئة الا اثباتا لتورطها، واهدافها المتمثلة في ضرب الاثنين معا. وكل هذه الاهداف هي ما ادركه السيد حسن نصرالله عندما قال : الجيش خط احمر والمخيم خط احمر.
وعندما كتبت، بعد يومين من الاشتباك بان العبسي قد اخرج من المخيم، فقد كنت ابني على اشارة الشيخ احمد حمود، وعلى دور ما زال مطلوبا من العبسي بدلا من الفشل في فصل نهر البارد. ويوم قال الجميع ان الرجل قد قتل، بما فيهم زوجته، كتبت مصرة على انه ما زال حيا خارج المخيم.
لماذا نعود الى هذا الامر اليوم، وليس بعد الشريط الذي صدر مؤخرا عنه؟ لان ما هوا اهم هو تصريحات العماد ميشال سليمان قائد الجيش في الاسبوع الاخير حول مواقفه الواضحة من دعم المقاومة وتغيير عقيدة الجيش.
لقد قال الرجل كلمته فيما يحكم سياسة لبنان والمنطقة، في عمقها وحقيقتها لا في مسرحيتها المقنعة الدائرة امام وسائل الاعلام. بكلمات قليلة وبمصطلحات واضحة لا تحتمل اي لبس في التفسير وضع النقاط على الحروف: لا تغيير في عقيدة الجيش، الجيش سيتصدى لاسرائيل، يدعم المقاومة، يواجه الارهاب، يصون السلم الاهلي، ويتصدى للطائفية. لا مساعدات مشروطة ولا رهان على الحل الخارجي.
اوليست قضية المقاومة ومسالة تغيير عقيدة الجيش ( اللتان تصبان في النهاية في مسرب واحد ) هما جوهر الخلاف، بين معسكر الامركة وشرقها الاوسط الذي لا مكان فيه لعداء اسرائيل ولحركات مقاومة، وبين معسكر الممانعة الذي يصر على المقاومة بما استطاع اليها سبيلا، ومن ضمن ذلك دور الجيش في دعم المقاومة الشعبية وحمايتها؟ وفي المعسكر الاول يندرج كل عملاء اميركا واصدقاء اسرائيل من فلسطين الى لبنان الى العراق الى سائر الدول العربية والاسلامية. ويلتقون في مطلب تغيير العقيدة القتالية من معاداة اسرائيل، الى الحرب على الارهاب.
وكما يطلب ذلك من الحكومة في فلسطين يطلب كذلك في لبنان من الحكومة والجيش. وعندما لم ينجح معسكر 14 اذار في فرض الامرين، طلب الاميركيون من اسرائيل ان تتقدم وتنفذ ذلك بنفسها، فكانت حرب تموز الشهيرة، ولكن المفاجاة الكبرى كانت في هزيمة القوة التي لا تهزم، وللمرة الثانية، امام تضامن الجيش والمقاومة والرئاسة. من جديد عادت اللعبة الى الساحة السياسية الداخلية بانتظار رحيل الرئيس لحود عن قصر بعبدا، وعندما لم يؤد الامر الى شيء افتعلت قضية نهر البارد التي فشلت بدورها هي الاخرى. وذلك ما عبر عنه ميشال سليمان بقوله في الاسبوع الفائت ” ان اسرائيل تحاول النيل من وحدة لبنان من خلال استهداف الجيش لتوريطه في حرب اهلية ” مشيرا الى ان المرة الاولى كانت فيحرب تموز والثانية في نهر البارد.
واذا كان كلام العسكريين، ومسؤولية رئيس قادم لا تسمح بالتفصيل، فان من الواضح في هذا التحليل ان الارهاب واسرائيل يلتقيان في النهاية عند نبع واحد هو المخططات الاميركية – الاسرائيلية، وان لا علاقة للارهاب بالمقاومة بدليل قوله : لاتغيير في عقيدة الجيش، سيبقى يتصدى لاسرائيل، يدعم المقاومة، يصون السلم الاهلي، يتصدى للطائفية، ويواجه الارهاب. ولكن ليس بدون تخوف: ” اشعر ان بين يدي قنبلة موقوتة، واحاول منع انفجارها “. تخوف يستشرف مؤامرات قادمة من اخطر ما فيها امكانية الخلط بين المقاومة والارهاب، وامكانية استغلال اي عميل لهذا الخلط لاستغلال ما يعتمل في صدور الشباب المساكين من كبت وحقد ورغبة في التحرك والانتقام. استغلاله، لغايات غير تلك التي يصب في بحرها الواجب الوطني والديني والقومي.