ميشال سليمان والقنبلة الموقوتة!

صحيفة الخليج، 17-01-2008

لن اتكلم في السياسة ما دمت قائدا للجيش!!  لكن العماد ميشال سليمان وهو يحرص على هذا الالتزام المبدئي، قال كل ما يمكن ان يحكم السياسة اللبنانية في عمقها وحقيقتها لا في مسرحيتها المقنعة الدائرة امام وسائل الاعلام. بكلمات قليلة وبمصطلحات واضحة لا تحتمل اي لبس في التفسير – كما هي طبيعة خطاب العسكريين التي لا يرقى اليها وزراء الخارجية العرب وصياغاتهم الملتبسة – وضع العماد المرشح للرئاسة  باجماع ظاهري، النقاط على الحروف: لا تغيير في عقيدة الجيش، الجيش سيتصدى لاسرائيل، يدعم المقاومة، يواجه الارهاب، يصون السلم الاهلي، ويتصدى للطائفية. لا مساعدات مشروطة ولا رهان على الحل الخارجي.

ما الذي بقي من السياسة في جوهر الصراع الدائر في لبنان؟ وهل كان الحقد الكبير على الرئيس اميل لحود الا لانه التزم بهذه الثوابت الوطنية وحماها؟ اوليست قضية المقاومة ومسالة تغيير عقيدة الجيش ( اللتان تصبان في النهاية في مسرب واحد ) هما جوهر الخلاف اللبناني، بين معسكر الامركة وشرقها الاوسط الذي لا مكان فيه لعداء اسرائيل ولحركات مقاومة، وبين معسكر الممانعة الذي يصر على المقاومة بما استطاع اليها سبيلا، ومن ضمن ذلك دور الجيش في دعم المقاومة الشعبية  وحمايتها؟ اوليس هذا بتعبير اممي، مضمون الجدل حول القرار 1959 الذي قبل الجيش والرئيس بجزئه الاول( اي خروج الجيش السوري ) ولم يقبل بجزئه الثاني ( اي نزع سلاح المقاومة )؟ وحول هذا الجزء المطلوب اميركيا واسرائيليا، التف فريق 14 اذار وعرب الاعتدال. كما التفوا حول مطلب تغيير عقيدة الجيش من معاداة اسرائيل، الى الحرب على الارهاب. وعندما لم ينجح الالتفاف المذكور في فرض الامرين، طلب الاميركيون من اسرائيل ان تتقدم وتنفذ ذلك بنفسها، فكانت حرب تموز الشهيرة، ولكن المفاجاة الكبرى كانت في هزيمة القوة التي لا تهزم، وللمرة الثانية، امام تضامن الجيش والمقاومة والرئاسة. من جديد عادت اللعبة الى الساحة السياسية الداخلية بانتظار رحيل الرئيس لحود عن قصر بعبدا، وعندما لم يؤد الامر الى شيء افتعلت قضية نهر البارد التي فشلت بدورها هي الاخرى. وذلك ما عبر عنه  ميشال سليمان بقوله  في التصريح المذكور   ” ان اسرائيل تحاول النيل من وحدة لبنان من خلال استهداف الجيش لتوريطه في حرب اهلية ” مشيرا الى ان المرة الاولى كانت  في حرب تموز  والمرة الثانية مع  ” فتح الاسلام التي  راهنت على ضرب الجيش بالحكومة ”

واذا كان كلام العسكريين، ومسؤولية رئيس قادم لا تسمح بالتفصيل، فان من الواضح في هذا التحليل ان  الارهاب ( الارهاب الحقيقي، لا المقاومة التي تسميها اميركا ارهابا )  واسرائيل يلتقيان في النهاية عند نبع واحد هو المخططات الاميركية – الاسرائيلية،وان الرجل الذي يحمل مسؤولية الوطن بكونه قائدا للجيش، مضافا اليها ما وضعه  الرئيس لحود في رقبته من امانة وهو يغادر الرئاسة، يشعر بثقل الامانة، ويعرف خطورة الوضع، لكنه مصر على التصدي له بمسؤولية وشجاعة، ولكن ليس بدون تخوف: ” اشعر ان بين يدي قنبلة موقوتة، واحاول منع انفجارها “، تعبير يوحي بان ثمة ما هو اعظم من مؤامرات يستشرفها القائد، ويضع لها الحسابات لكن… من يستطيع ضمان النتائج؟

المهم في حديث العماد سليمان الصريح هذا، هو ان الرجل قد ازال قطعيا اللغط الذي دار قبل فترة حول مواقفه من المخطط الاميركي، خاصة بعد احداث البارد، وبعد زيارته لمصر. وطمأن الخائفين او المتوجسين الى انه ما يزال في مكانه الوطني النظيف. ولكن، الا تعني طمانة هذا الطرف من الصراع قلق الطرف الاخر؟  وهل يمكن ان يبقى الرجل بعد هذا الاعلان مرشح التوافق بين المعارضة و14 اذار؟ وبتعبير اوضح: هل يمكن ان يقبل به الاميركيون ويتركوا لعملائهم ان يقبلوا به؟

واذا كان الجواب بديهيا وواضحا لنا، فلا شك انه كذلك لقائد الجيش، فلماذا خرج بهذا التصريح المتحدي؟ الجواب واحد من اثنين: اما ان العماد سليمان قد راى ان ميزان القوى لم يعد في صالح هؤلاء، ولم يعد يخشى التعرض لهم. واما ان الرجل قد نفد صبره نتيجة صحة  ما تردد من اشاعات عن ان جماعة الموالاة هم الذين يعيقون انتخاب رئيس جديد للجمهورية ( بما في ذلك مهمة عمر موسى ) لانهم لا يريدون العماد ميشال سليمان، وان اعلانهم موافقتهم على انتخابه كان من باب النفاق والكذب، الذي لم يملكوا سواه ازاء الالتفاف الشعبي الكبير حول الجيش وقائده خلال وبعد احداث البارد.دون ان يمنعهم الكلام الايجابي من العبث السلبي والتخريب.نفاذ صبر قد يكون حال شخصيات وطنية كثيرة من مثل عمر كرامي الذي وصل به الغضب حد نعت سياسات السنيورة بالعهر السياسي.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون